فائدة
قال الفخر :
إن الله تعالى ذكر ههنا أنهم كانوا يختانون أنفسهم، إلا أنه لم يذكر أن تلك الخيانة كانت في ماذا ؟ فلا بد من حمل هذه الخيانة على شيء يكون له تعلق بما تقدم وما تأخر، والذي تقدم هو ذكر الجماع، والذي تأخر قوله :﴿فالئن باشروهن﴾ فيجب أن يكون المراد بهذه الخيانة الجماع، ثم ههنا وجهان : أحدهما : علم الله أنكم كنتم تسرون بالمعصية في الجماع بعد العتمة والأكل بعد النوم وتركبون المحرم من ذلك وكل من عصى الله ورسوله فقد خان نفسه وقد خان الله، لأنه جلب إليها العقاب، وعلى هذا القول يجب أن يقطع على أنه وقع ذلك من بعضهم لأنه لا يمكن حمله على وقوعه من جميعهم، لأن قوله :﴿عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ﴾ إن حمل على ظاهره وجب في جميعهم أن يكونوا مختانين لأنفسهم، لكنا قد علمنا أن المراد به التبعيض للعادة والإخبار، وإذا صح ذلك فيجب أن يقطع على وقوع هذا الجماع المحظور من بعضهم، فمن هذا الوجه يدل على تحريم سابق وعلى وقوع ذلك من بعضهم.
القول الثاني : أن المراد : علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم لو دامت تلك الحرمة ومعناه : أن الله يعلم أنه لو دام ذلك التكليف الشاق لوقعوا في الخيانة، وعلى هذا التفسير ما وقعت الخيانة ويمكن أن يقال التفسير الأول أولى لأنه لا حاجة فيه إلى إضمار الشرط وأن يقال بل الثاني أولى، لأن على التفسير الأول يصير إقدامهم على المعصية سبباً لنسخ التكليف، وعلى التقدير الثاني : علم الله أنه لو دام ذلك التكليف لحصلت الخيانة فصار ذلك سبباً لنسخ التكليف رحمة من الله تعالى على عباده حتى لا يقعوا في الخيانة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ٩١ ـ ٩٢﴾