وهذا الخبر تمام البيان في الكشف عن هذا السؤال، لأنه تعالى قال :﴿ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ولم يقل : أستجب لكم في الحال فإذا استجاب له ولو في الآخرة كان الوعد صدقاً وثالثها : أن قوله :﴿ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ يقتضي أن يكون الداعي عارفاً بربه وإلا لم يكن داعياً له، بل لشيء متخيل لا وجود له ألبتة، فثبت أن الشرط الداعي أن يكون عارفاً بربه ومن صفات الرب سبحانه أن لا يفعل إلا ما وافق قضاءه وقدره وعلمه وحكمته فإذا علم أن صفة الرب هكذا استحال منه أن يقول بقلبه وبعقله : يا رب افعل الفعل الفلاني لا محالة، بل لا بد وأن يقول : افعل هذا الفعل إن كان موافقاً لقضائك وقدرك وحكمتك، وعند هذا يصير الدعاء الذي دلت الآية على ترتيب الإجابة عليه مشروطاً بهذه الشرائط وعلى هذا التقدير زال السؤال الرابع أن لفظ الدعاء والإجابة يحتمل وجوهاً كثيرة أحدها : أن يكون الدعاء عبارة عن التوحيد والثناء على الله كقول العبد : يا الله الذي لا إله إلا أنت، وهذا إنما سمي دعاء لإنك عرفت الله تعالى ثم وحدته وأثنيت عليه، فهذا يسمى دعاء بهذا التأويل ولما سمي هذا المعنى دعاء سمي قبوله إجابة لتجانس اللفظ ومثله كثير وقال ابن الأنباري :﴿أُجِيبُ﴾ ههنا بمعنى أسمع لأن بين السماع وبين الإجابة نوع ملازمة، فلهذا السبب يقام كل واحد منهما مقام الآخر، فقولنا سمع الله لمن حمده أي أجاب الله فكذا ههنا قوله :﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع﴾ أي أسمع تلك الدعوة، فإذا حملنا قوله تعالى :﴿ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ على هذا الوجه زال الإشكال وثانيها : أن يكون المراد من الدعاء التوبة عن الذنوب، وذلك لأن التائب يدعو الله تعالى عند التوبة، وإجابة الدعاء بهذا التفسير عبارة عن قبول التوبة، وعلى هذا الوجه أيضاً لا إشكال، وثالثها : أن يكون المراد من الدعاء العبادة، قال عليه الصلاة والسلام :" الدعاء هو العبادة " ومما يدل