فقلت : إنه ساحر، لأن الساحر هو الذي يفرق بين الأب وابنه وبين الأخوين، وبين المرأة وزوجها، ثم إنهم أجمعوا على تلقيب محمد عليه الصلاة والسلام بهذا اللقب، ثم إنهم خرجوا فصرخوا بمكة والناس مجتمعون، فقالوا : إن محمداً لساحر، فوقعت الضجة في الناس أن محمداً ساحر، فلما سمع رسول الله ﷺ ذلك اشتد عليه، ورجع إلى بيته محزوناً فتدثر بثوبه، فأنزل الله تعالى :﴿يا أَيُّهَا المدثر * قُمْ فَأَنذِرْ﴾ وثالثها : أنه عليه الصلاة والسلام كان نائماً متدثراً بثيابه، فجاءه جبريل عليه السلام وأيقظه، وقال :﴿يا أَيُّهَا المدثر، قُمْ فَأَنذِرْ﴾ كأنه قال : له اترك التدثر بالثياب والنوم، واشتغل بهذا المنصب الذي نصبك الله له.
القول الثاني : أنه ليس المراد من المدثر، المتدثر بالثياب، وعلى هذا الاحتمال فيه وجوه أحدها : أن المراد كونه متدثراً بدثار النبوة والرسالة من قولهم : ألبسه الله لباس التقوى وزينه برداء العلم، ويقال : تلبس فلان بأمر كذا، فالمراد يأيها المدثر بدثار النبوة قم فأنذر وثانيها : أن المتدثر بالثوب يكون كالمختفي فيه، وأنه عليه الصلاة والسلام في جبل حراء كان كالمختفي من الناس، فكأنه قيل : يا أيها المتدثر بدثار الخمول والاختفاء، قم بهذا الأمر واخرج من زاوية الخمول، واشتغل بإنذار الخلق، والدعوة إلى معرفة الحق وثالثها : أنه تعالى جعله رحمة للعالمين، فكأنه قيل له : يا أيها المدثر بأثواب العلم العظيم، والخلق الكريم، والرحمة الكاملة قم فأنذر عذاب ربك.
المسألة الثالثة :
عن عكرمة أنه قرىء على لفظ اسم المفعول من دثره، كأنه قيل له : دثرت هذا الأمر وعصيت به، وقد سبق نظيره في المزمل.
قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)
في قوله :﴿قُمِ﴾ وجهان أحدهما : قم من مضجعك والثاني : قم قيام عزم وتصميم، وفي قوله :﴿فَأَنذِرْ﴾ وجهان أحدهما : حذر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا.