القراءة المشهورة تستكثر برفع الراء وفيه ثلاثة أوجه أحدها : أن يكون التقدير ولا تمنن لتستكثر فتنزع اللام فيرتفع وثانيها : أن يكون التقدير لا تمنن أن تستكثر ثم تحذف أن الناصبة فتسلم الكلمة من الناصب والجازم فترتفع ويكون مجاز الكلام لا تعط لأن تستكثر وثالثها : أنه حال متوقعة أي لا تمنن مقدراً أن تستكثر قال أبو علي الفارسي : هو مثل قولك مررت برجل معه صقر صائداً به غدا أي مقدراً للصيد فكذا ههنا المعنى مقدراً الاستكثار، قال : ويجوز أن يحكي به حالاً أتية، إذا عرفت هذا فنقول، ذكروا في تفسير الآية وجوهاً أحدها : أنه تعالى أمره قبل هذه الآية، بأربعة أشياء : إنذار القوم، وتكبير الرب، وتطهير الثياب، وهجر الرجز، ثم قال :﴿وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾ أي لا تمنن على ربك بهذه الأعمال الشاقة، كالمستكثر لما تفعله، بل اصبر على ذلك كله لوجه ربك متقرباً بذلك إليه غير ممتن به عليه.
قال الحسن، لا تمنن على ربك بحسناتك فتستكثرها وثانيها : لا تمنن على الناس بما تعلمهم من أمر الدين، والوحي كالمستكثر لذلك الإنعام، فإنك إنما فعلت ذلك بأمر الله، فلا منة لك عليهم، ولهذا قال :﴿وَلِرَبّكَ فاصبر﴾ [ المدثر : ٧ ]، وثالثها : لا تمنن عليهم بنبوتك لتستكثر، أي لتأخذ منهم على ذلك أجراً تستكثر به مالك ورابعها : لا تمنن أي لا تضعف من قولهم : حبل منين أي ضعيف، يقال : منه السير أي أضعفة.