غير أن النظر في النص القرآني ذاته يوحي بأن مطلع هذه السورة إلى قوله تعالى:(ولربك فاصبر)ربما يكون قد نزل مبكرا في أوائل أيام الدعوة. شأنه شأن مطلع سورة المزمل إلى قوله تعالى:(واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا، رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا).. وهذا وذلك لإعداد نفس الرسول ( ﷺ ) للنهوض بالتبعة الكبرى، ومواجهة قريش بعد ذلك بالدعوة جهارا وكافة، مما سيترتب عليه مشاق كثيرة متنوعة، تحتاج مواجهتها إلى إعداد نفسي سابق.. ويكون ما تلا ذلك في سورة المدثر، وما تلا هذا في سورة المزمل، قد نزلا بعد فترة بمناسبة تكذيب القوم وعنادهم، وإيذائهم للنبي ( ﷺ ) بالاتهام الكاذب والكيد اللئيم.
إلا أن هذا الاحتمال لا ينفي الاحتمال الآخر، وهو أن يكون كل من المطلعين قد نزل متصلا بما تلاه في هذه السورة وفي تلك، بمناسبة واحدة، هي التكذيب، واغتمام رسول الله ( ﷺ ) للكيد الذي كادته قريش ودبرته.. ويكون الشأن في السورتين هو الشأن في سورة القلم على النحو الذي بيناه هناك.
وأيا ما كان السبب والمناسبة فقد تضمنت هذه السورة في مطلعها ذلك النداء العلوي بانتداب النبي ( ﷺ ) لهذا الأمر الجلل ; وانتزاعه من النوم والتدثر والدفء إلى الجهاد والكفاح والمشقة:(يا أيها المدثر. قم فأنذر).. مع توجيهه ( ﷺ ) إلى التهيؤ لهذا الأمر العظيم، والاستعانة عليه بهذا الذي وجهه الله إليه:(وربك فكبر. وثيابك فطهر. والرجز فاهجر. ولا تمنن تستكثر. ولربك فاصبر).. وكان ختام التوجيه هنا بالصبر كما كان هناك في سورة المزمل !


الصفحة التالية
Icon