وقال ابن عطية فى الآيات السابقة :
﴿ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ﴾
قوله تعالى :﴿ كذلك يضل الله من يشاء ﴾ أي بهذه الصفة وهذا الرّين على القلوب يضل، ثم أخبر تعالى أنه ﴿ يهدي من يشاء ﴾ من المؤمنين لما ورد بذلك لعلمهم بالقدرة ووقوف عقولهم على كنه سلطان الله تعالى، فهم موقنون متصورون صحة ما أخبرت به الأنبياء وكتب الله تعالى، ثم قال :﴿ وما يعلم جنود ربك إلا هو ﴾ إعلاماً بأن الأمر فوق ما يتوهم وأن الخبر إنما هو عن بعض القدرة لا عن كلها، والسماء كلها عامرة بأنواع من الملائكة كلهم في عبادة متصلة وخشوع دائم وطاعة لا فترة في شيء من ذلك ولا دقيقة واحدة. وقوله تعالى :﴿ وما هي إلا ذكرى للبشر ﴾ قال مجاهد الضمير في قوله ﴿ وما هي ﴾ للنار المذكورة، أي يذكرها البشر فيخافونها فيطيعون الله تعالى. وقال بعض الحذاق : قوله تعالى :﴿ ما هي ﴾، يراد بها الحال والمخاطبة والنذارة، قال الثعلبي : وقيل ﴿ وما هي ﴾، يراد نار الدنيا، أي إن هذه تذكرة للبشر بنار الآخرة، وقوله عز وجل :﴿ كلا ﴾ رد على الكافرين وأنواع الطاغين على الحق، ثم أقسم ب ﴿ القمر ﴾، تخصيص تشريف وتنبيه على النظر في عجائبه وقدرة الله تعالى في حركاته المختلفة التي هي مع كثرتها واختلافها علىنظام واحد لا يختل، وكذلك هو القسم ب ﴿ الليل ﴾ وب ﴿ الصبح ﴾، فيعود التعظيم في آخر الفكرة وتحصيل المعرفة إلى الله تعالى مالك الكل وقوام الوجود ونور السماء والأرض، لا إله إلا هو العزيز القهار. وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو والكسائي وأبو بكر عن عاصم :" إذ أدَبَر " بفتح الدال والباء، وهي قراءة ابن عباس وابن المسيب وابن الزبير ومجاهد وعطاء ويحيى بن يعمر وأبي جعفر وشيبة وأبي الزناد وقتادة وعمر بن عبد العزيز والحسن وطلحة. وقرأ نافع وحمزة وحفص عن عاصم، " إذا أدْبر " بسكون الدال وبفعل رباعي، وهي قراءة سعيد بن جبير وأبي عبد الرحمن والحسن بخلاف عنهم والأعرج وأبي شيخ وابن محيصن وابن سيرين، قال يونس بن حبيب :