ثم قال تعالى :﴿والقمر * واليل إِذْ أَدْبَرَ﴾ وفيه قولان : الأول : قال الفراء والزجاج : دبر وأدبر بمعنى واحد كقبل وأقبل ويدل على هذا قراءة من قرأ إذا دبر، وروى أن مجاهداً سأل ابن عباس عن قوله :﴿دُبُرٍ﴾ فسكت حتى إذا أدبر الليل قال : يا مجاهد هذا حين دبر الليل، وروى أبو الضحى أن ابن عباس كان يعيب هذه القراءة ويقول : إنما يدبر ظهر البعير، قال الواحدي : والقراءتان عند أهل اللغة سواء على ما ذكرنا، وأنشد أبو علي :
وأبى الذي ترك الملوك وجمعهم.. بصهاب هامدة كأمس الدابر
القول الثاني : قال أبو عبيدة وابن قتيبة : دبر أي جاء بعد النهار، يقال : دبرني أي جاء خلفي ودبر الليل أي جاء بعد النهار، قال قطرب : فعلى هذا معنى إذا دبر إذا أقبل بعد مضي النهار.
وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (٣٤)
أي أضاء، وفي الحديث :" أسفروا بالفجر " ومنه قوله :﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ﴾ [ عبس : ٣٨ ] أي مضيئة.
إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
هذا الكلام هو جواب القسم أو تعليل لكلام والقسم معترض للتوكيد.
المسألة الثانية :
قال الواحدي : ألف إحدى مقطوع ولا تذهب في الوصل.
وروي عن ابن كثير أنه قرأ إنها لإحدى الكبر بحذف الهمزة كما يقال : ويلمه، وليس هذا الحذف بقياس والقياس التخفيف وهو أن يجعل بين بين.
المسألة الثالثة :
قال صاحب "الكشاف" : الكبر جمع الكبرى جعلت ألف التأنيث كتاء التأنيث فكما جمعت فعلة على فعل جمعت فعلى عليها ونظير ذلك السوافي جمع السافياء وهو التراب الذي سفته الريح، والقواصع في جميع القاصعاء كأنهما جمع فاعلة.
المسألة الرابعة :
﴿إِنَّهَا لإِحْدَى الكبرى﴾ يعني أن سقر التي جرى ذكرها لإحدى الكبر والمراد من الكبر دركات جهنم، وهي سبعة : جهنم، ولظى، والحطمة، والسعير، وسقر، والجحيم والهاوية، أعاذنا الله منها.
نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (٣٦)