وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة ﴾
قيل : إن "لا" صلة، وجاز وقوعها في أوّل السورة ؛ لأن القرآن متصل بعضه ببعض، فهو في حكم كلام واحد ؛ ولهذا قد يذكر الشيء في سورة ويجيء جوابه في سورة أخرى ؛ كقوله تعالى :﴿ وَقَالُواْ يا أيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ [ الحجر : ١٥ ] وجوابه في سورة أخرى :﴿ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾ [ القلم : ٢ ] ومعنى الكلام : أقسم بيوم القيامة ؛ قاله ابن عباس وابن جبير وأبو عبيدة ؛ ومثله قول الشاعر :
تذكَّرتُ لَيْلَى فاعترتنِي صَبَابَةٌ...
فكاد صِمِيمُ القلبِ لا يَتَقَطَّعُ
وحكى أبو الليث السَّمرقنديّ : أجمع المفسرون أن معنى "لاَ أقْسِمُ" : أقسم.
واختلفوا في تفسير "لا" قال بعضهم :"لا" زيادة في الكلام للزينة، ويجري في كلام العرب زيادة "لا" كما قال في آية أخرى :﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ ﴾ [ الأعراف : ١٢ ] يعني أن تسجد، وقال بعضهم :"لا" : ردٌّ لكلامهم حيث أنكروا البعث، فقال : ليس الأمر كما زعمتم.
قلت : وهذا قول الفرّاء ؛ قال الفرّاء : وكثير من النحويين يقولون "لا" صلة، ولا يجوز أن يُبدأ بجحد ثم يُجعل صلة ؛ لأن هذا لو كان كذلك لم يعرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه، ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا البعث والجنة والنار، فجاء الإقسام بالردّ عليهم في كثير من الكلام المبتدأ منه وغير المبتدأ وذلك كقولهم لا والله لا أفعل ف "لا" ردٌّ لكلام قد مضى، وذلك كقولك : لا والله إن القيامة لحقّ، كأنك أكذبت قوماً أنكروه.
وأنشد غير الفرّاء لامرىء القيس :
فلا وأبِيكِ ابنة العامِرِيِّ...
لا يَدَّعِي القومُ أَنِّي أَفِرّ
وقال غُوَيَّة بن سلمى :
ألا نادتْ أمامةُ باحتمال...
لتِحزُننِي فلا بِكِ ما أبالِي
وفائدتها توكيد القسم في الردّ.


الصفحة التالية
Icon