وقرأ ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة بكسر الفاء مع فتح الميم ؛ قال الكسائي : هما لغتان مثل مَدَبّ ومَدِبّ، ومَصَحّ ومَصِحّ.
وعن الزهريّ بكسر الميم وفتح الفاء.
المهدويّ : من فتح الميم والفاء من "المفر" فهو مصدر بمعنى الفرار، ومن فتح الميم وكسر الفاء فهو الموضع الذي يفرّ إليه.
ومن كسر الميم وفتح الفاء فهو الإنسان الجيّد الفرار ؛ فالمعنى أين الإنسان الجيّد الفرار ولن ينجو مع ذلك.
قلت : ومنه قول امرىء القيس :
مِكَرّ مِفَرّ مُقْبِل مُدْبِرٍ مَعاً...
يريد أنه حسن الكرّ والفرّ جَيِّدَه.
﴿ كَلاَّ ﴾ أي لا مفرّ ف"كَلاَّ" ردٌّ وهو من قول الله تعالى، ثم فسر هذا الردّ فقال :﴿ لاَ وَزَرَ ﴾ أي لا ملجأ من النار.
وكان ابن مسعود يقول : لا حِصن.
وكان الحسن يقول : لا جبل.
وابن عباس يقول : لا ملجأ.
وابن جُبير : لا محيص ولا منعة.
المعنى في ذلك كله واحد.
والوَزَر في اللغة : ما يلجأ إليه من حِصن أو جبل أو غيرهما ؛ قال الشاعر :
لَعَمْرِيَ ما لِلفتى مِن وَزَرْ...
مِنَ المَوتِ يُدْرِكُه والكِبَرْ
قال السُّديّ : كانوا في الدنيا إذا فزِعوا تحصّنوا في الجبال، فقال الله لهم : لاَ وَزَرَ يعصمكم يومئذ منّي ؛ قال طرفة :
وَلَقَدْ تَعْلَمُ بَكْرٌ أَنَّنَا...
فاضِلُوا الرَّأْيِ وَفِي الرَّوْعِ وَزَرْ
أي ملجأ للخائف.
ويروى : وَقْرٌ.
﴿ إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر ﴾ أي المنتهَى ؛ قاله قتادة.
نظيره :﴿ وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المنتهى ﴾ [ النجم : ٤٢ ].
وقال ابن مسعود : إلى ربك المصير والمرجع.
قيل : أي المستقرّ في الآخرة حيث يقرّه الله تعالى ؛ إذ هو الحاكم بينهم.
وقيل : إن "كَلاَّ" من قول الإنسان لنفسه إذا علم أنه ليس له مفرّ قال لنفسه :﴿ كَلاَّ لاَ وَزَرَ * إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر ﴾.


الصفحة التالية
Icon