قوله تعالى :﴿ يُنَبَّأُ الإنسان ﴾ أي يخبر ابن آدم بَرًّا كان أو فاجراً ﴿ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ : أي بما أسلف من عمل سَيّىء أو صالح، أو أخَّر من سنّة سيّئة أو صالحة يُعْمَل بها بعده ؛ قاله ابن عباس وابن مسعود.
وروى منصور عن مجاهد قال : ينبأ أوّل عمله وآخره.
وقاله النخَعيّ.
وقال ابن عباس أيضاً : أي بما قدّم من المعصية، وأخَّر من الطاعة.
وهو قول قتادة.
وقال ابن زيد :"بِمَا قَدَّمَ" من أمواله لنفسه "وَأَخَّرَ" : خلّف للورثة.
وقال الضحاك : ينبأ بما قدّم من فرض، وأخَّر من فرض.
قال القشيريّ : وهذا الإنباء يكون في القيامة عند وزن الأعمال.
ويجوز أن يكون عند الموت.
قلت : والأوّل أظهر ؛ لما خرجه ابن ماجه في سننه من حديث الزهريّ، حدثني أبو عبد الله الأغر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :" إنّ مما يَلْحَق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته عِلماً علّمه ونَشَره، وولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورّثه أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته " وخرجه أبو نَعيم الحافظ بمعناه من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ :" سبع يجري أجرهنّ للعبد بعد موته وهو في قبره : من علّم علماً أو أجرى نهراً أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو وَرَّثَ مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته " فقوله :" بعد موته وهو في قبره " نصَّ على أن ذلك لا يكون عند الموت، وإنما يخبر بجميع ذلك عند وزن عمله، وإن كان يبشَّر بذلك في قبره.
ودل على هذا أيضاً قوله الحقّ :﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ١٣ ] وقوله تعالى :﴿ وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [ النمل : ٢٥ ] وهذا لا يكون إلا في الآخرة بعد وزن الأعمال.