وقال الحسن في قوله تعالى :﴿ بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾ يعني بصير بعيوب غيره، جاهل بعيوب نفسه.
﴿ وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ ﴾ أي ولو أَرْخَى سُتوره.
والسِّتر بلغة أهل اليمن : مِعذار ؛ قاله الضحاك.
وقال الشاعر :
ولكنها ضَنَّتْ بِمنزِلِ ساعةٍ...
علينا وأَطَّتْ فَوْقَهَا بالْمَعَاذِرِ
قال الزجاج : المعاذِر : السُّور، والواحد مِعذار ؛ أي وإن أرخى ستره ؛ يريد أن يخفي عمله، فنفسه شاهدة عليه.
وقيل : أي ولو اعتذر فقال لم أفعل شيئاً، لكان عليه من نفسه من يشهد عليه من جوارحه، فهو وإن اعتذر وجادل عن نفسه، فعليه شاهد يكذِّب عذره ؛ قاله مجاهد وقتادة وسعيد بن جُبير وعبد الرحمن بن زيد وأبو العالية وعطاء والفرّاء والسّديّ أيضاً ومقاتل.
قال مقاتل : أي لو أدلى بعذر أو حجة لم ينفعه ذلك.
نظيره قوله تعالى :﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ ﴾ [ غافر : ٥٢ ] وقوله :﴿ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [ المرسلات : ٣٦ ] فالمعاذير على هذا : مأخوذ من العذر ؛ قال الشاعر :
وإِياكَ والأمرَ الذي إنْ تَوَسَّعَتْ...
مَوَارِدُهُ ضاقتْ عليكَ المصادِرُ
فما حَسنٌ أن يَعْذِرَ المرءُ نفسَهُ...
وليس له مِن سائِرِ الناسِ عاذر
واعتذر رجل إلى إبراهيم النَّخَعيّ فقال له : قد عذرتك غير مُعتذِر، إن المعاذِير يَشُوبها الكذب.
وقال ابن عباس :﴿ وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ ﴾ أي لو تجرّد من ثيابه.
حكاه الماورديّ.
قلت : والأظهر أنه الإدلاء بالحجة والاعتذار من الذنب ؛ ومنه قول النابغة :
ها إِنَّ ذِي عِذْرَةٌ إِلاَّ تَكنْ نَفَعتْ...
فإنّ صاحِبَها مُشَارِكُ النَّكَدِ