الثالثة لا يصح الإقرار إلا من مكلَّف، لكن بشرط ألا يكون محجوراً عليه ؛ لأن الحجر يسقط قوله إن كان لحقّ نفسه، فإن كان لحقّ غيره كالمريض كان منه ساقط، ومنه جائز.
وبيانه في مسائل الفقه.
وللعبد حالتان في الإقرار : إحداهما في ابتدائه، ولا خلاف فيه على الوجه المتقدم.
والثانية في انتهائه، وذلك مثل إبهام الإقرار، وله صور كثيرة وأمهاتها ستّ : الصورة الأولى أن يقول له عندي شيء، قال الشافعي : لو فَسَّره بتمرة أو كِسرة قُبل منه.
والذي تقتضيه أصولنا أنه لا يقبل إلا فيما له قَدر، فإذا فسره به قُبل منه وحلف عليه.
الصورة الثانية أن يفسِّر هذا بخمر أو خنزير أو ما لا يكون مالاً في الشريعة : لم يُقْبل باتفاق ولو ساعده عليه المقرّ له.
الصورة الثالثة أن يفسّره بمختلَف فيه مثل جلد الميتة أو سِرْقين أو كلب، فإن الحاكم يحكم عليه في ذلك بما يراه من ردّ وإمضاء فإن ردّه لم يحكم عليه حاكم آخر غيره بشيء لأن الحكم قد نفذ بإبطاله.
وقال بعض أصحاب الشافعي : يلزم الخمر والخنزير ؛ وهو قول باطل.
وقال أبو حنيفة : إذا قال له عليّ شيءٌ لم يقبل تفسيره إلا بِمَكيل أو موزون، لأنه لا يثبت في الذمة بنفسه إلا هما.
وهذا ضعيف ؛ فإن غيرهما يثبت في الذمة إذا وجب ذلك إجماعاً.
الصورة الرابعة إذا قال له : عندي مالٌ قُبِل تفسيره بما لا يكون مالاً في العادة كالدرهم والدرهمين، ما لم يجيء من قرينة الحال ما يحكم عليه بأكثره منه.
الصورة الخامسة أن يقول له : عندي مال كثير أو عظيم ؛ فقال الشافعيّ : يُقبل في الحبّة.
وقال أبو حنيفة : لا يُقبل إلا في نصاب الزكاة.
وقال علماؤنا في ذلك أقوالاً مختلفة، منها نصاب السرقة والزكاة والدّية وأقله عندي نصاب السّرقة، لأنه لا يُبَان عُضوُ المسلم إلا في مال عظيم.
وبه قال أكثر الحنفية.
ومن يعجب فيتعجّب لقول الليث بن سعد : إنه لا يُقبل في أقل من اثنين وسبعين ودرهماً.