وينبغي أن يكون المراد بـ ﴿ الإِنسان ﴾ الكافر جرياً على سياق الآيات السابقة لأنه المقصود بالكلام وإن كان كل إنسان ينبأ يومئذٍ بما قدم وأخر من أهل الخير ومن أهل الشر قال تعالى:
﴿ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء ﴾ الآية [ آل عمران : ٣٠ ].
واختلاف مقامات الكلام يمنع من حمل ما يقع فيها من الألفاظ على محمل واحد، فإن في القرآن فنوناً من التذكير لا تلزم طريقة واحدة.
وهذا مما يغفل عن مراعاته بعض المفسرين في حملهم معاني الآيات المتقاربة المغزى على محامل متماثلة.
وتنبئةُ الإِنسان بما قدّم وأخرّ كناية عن مجازاته على ما فعله : إن خيراً فخيرٌ وإن سُوءاً فسوءٌ، إذ يقال له : هذا جزاء الفعلة الفلانية فيعلم من ذلك فعلَته ويلقَى جزاءها، فكانَ الإِنباء من لوازم الجزاء قال تعالى :﴿ قل بلى وربي لَتُبْعَثُنّ ثم لَتُنَبَّؤنَّ بما عَمِلتم ﴾ [ التغابن : ٧ ] ويحصل في ذلك الإِنباء تقريع وفضح لحاله.
والمراد بـ ﴿ ما قدم ﴾ : ما فَعَله وب ﴿ ما أخرّ ﴾ : ما تركه مما أُمر بفعله أو نهي عن فعله في الحالين فخالف ما كُلف به ومما علَّمه النبي ﷺ من الدعاء :" فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ".
بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥)
إضراب انتقالي، وهو للترقي من مضمون ﴿ يُنَبَّأُ الإِنسان يومئذٍ بما قدم وأخّر ﴾ [ القيامة : ١٣ ] إلى الإِخبار بأن الكافر يَعلَم ما فعله لأنهم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، إذ هو قرأ كتاب أعماله فقال :﴿ يا ليتني لم أوتَ كتابِيَهْ ولم أدر ما حِسَابيهْ ﴾ [ الحاقة : ٢٥، ٢٦ ]، ﴿ ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ﴾ [ الكهف : ٤٩ ].
وقال تعالى :﴿ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ﴾ [ الإسراء : ١٤ ].