ونظم قوله :﴿ بل الإِنسان على نفسه بصيرة ﴾ صالح لإِفادة معنيين:
أولهما أن يكون ﴿ بصيرة ﴾ بمعنى مبصر شديد المراقبة فيكون ﴿ بصيرة ﴾ خبراً عن ﴿ الإنسان ﴾.
و﴿ على نفسه ﴾ متعلقاً بـ ﴿ بصيرة ﴾، أي الإِنسان بصيرٌ بنفسه.
وعُدّي بحرف ﴿ على ﴾ لتضمينه معنى المراقبة وهو معنى قوله في الآية الأخرى :﴿ كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ﴾.
وهاء ﴿ بصيرة ﴾ تكون للمبالغة مثل هاء علامة ونسَّابة، أي الإِنسان عليم بصير قوي العلم بنفسه يومئذٍ.
والمعنى الثاني : أن يكونَ ﴿ بصيرة ﴾ مبتدأ ثانياً، والمراد به قرين الإِنسان من الحفظة وعلى نفسه خبرَ المبتدأ الثاني مقدماً عليه، ومجموعُ الجملة خبراً عن ﴿ الإنسان ﴾، و ﴿ بصيرة ﴾ حينئذٍ يحتمل أن يكون بمعنى بصير، أي مبصر والهاء للمبالغة، كما تقدم في المعنى الأول، وتكون تعدية ﴿ بصيرة ﴾ بـ ﴿ على ﴾ لتضمينه معنى الرقيب كما في المعنى الأول.
ويحتمل أن تكون ﴿ بصيرة ﴾ صفة لموصوف محذوف، تقديرة : حجة بصيرة، وتكون ﴿ بصيرة ﴾ مجازاً في كونها بينة كقوله تعالى :﴿ قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلاّ ربّ السماوات والأرض بصائر ﴾ [ الإسراء : ١٠٢ ] ومنه قوله تعالى :﴿ وآتينا ثمودَ الناقة مبصرة ﴾ [ الإسراء : ٥٩ ] والتأنيثُ لتأنيث المَوصوف.
وقد جرت هذه الجملة مجرى المثل لإِيجازها ووفرة معانيها.
وجملة ﴿ ولو ألقَى معاذيرَه ﴾ في موضع الحال من المبتدأ وهو الإِنسان، وهي حالة أجدر بثبوت معنى عاملها عند حصولها.
﴿ لو ﴾ هذه وَصْلِيَّةٌ كما تقدم عند قوله تعالى :﴿ فلن يقبل من أحدهم مِلْءُ الأرض ذهباً ولو افتدى به ﴾ في آل عمران ( ٩١ ).
والمعنى : هو بصيرة على نفسه حتى في حال إلقائه معاذيره.
والإِلقاء : مراد به الإِخبار الصريح على وجه الاستعارة، وقد تقدم عند قوله تعالى :﴿ فألْقَوا إليهم القول إنكم لكاذبون ﴾ في سورة النحل ( ٨٦ ).