قال تعالى واصفا ذلك الوقت العصيب الذي يحار فيه اللبيب، ويذهل عنه البعيد والقريب "يَقُولُ الْإِنْسانُ" المكذب لذلك "يَوْمَئِذٍ" يوم وقوع هذه الأشياء "أَيْنَ الْمَفَرُّ" والمهرب والمخلص من هذا فيقال
"كَلَّا" انزجر وارتدع "لا وَزَرَ ١١" لا ملجأ
يلجأ إليه ولا واق يقي منه راجع الآية (٢٠) من سورة ابراهيم في ج ٢ تجد ما يتعلق بهذا، واعلم أن الوزر هو الجبل المنيع، وكل ما يتحصّن به ويلجأ إليه.
قال كعب بن مالك :
الناس آلت علينا ليس فيك لنا إلا السيوف وأطراف القنا وزر
وقال الآخر :
لعمرك ما يلقى من وزر من الموت يدركه والكبر
وكانوا إذا فزعوا من شيء يلجأون إلى الجبال ولذلك قال ابن نوح عليه السلام :
(سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) الآية ٤٣ من سورة هود، في ج ٢، فتقدم اللّه تعالى لهؤلاء بما يقطع أملهم بأن لا شيء هناك يعصبهم من عذاب اللّه إلا هو، ولهذا قال "إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ١٢"
، أي يكون قرار خلقه يوم فرارهم إليه، وخلاصهم منوط به وحده، لا يشاركه أحد، وهو إما إلى الجنة أو النار لا توسط بينهما، أما أهل الأعراف فسيأتي بيانهم في الآية ٤٦ من سورتهم الآتية، قال تعالى حينذاك "يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ"
يوم الحساب والجزاء "بِما قَدَّمَ"
من أعماله الحسنة والسيئة "وَأَخَّرَ ١٣"
من آثاره كسنة حسنة سنّها أو وصية خير أوصى بها أو وقف، أوقفه في دنياه، فيفهم هل أراد به وجه اللّه تعالى، فإن كان فيوضع في جملة أعماله الصالحة، وإلا فإن كانت النيّة سيئة والوصية لحب المال، أو كراهية بالورثة أو رياء، فيكون في جملة أعماله الطالحة، ومما يعد مؤخر الولد ان كان صالحا انتفع به وإلا لا، ومما يدل على حسن النية وسوئها قوله عز قوله "بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ"
وكافة جوارحه "بَصِيرَةٌ ١٤"


الصفحة التالية
Icon