شاهد لا يحتاج إلى الإشهاد عليه، فهو يعلم مغزى ما يفعل وما يقدم وما يؤخر، والهاء في بصيرة للمبالغة كعلامة وشهامة فالسمع يشهد بما سمع، والبصر بما ابصر، واليد بما بطشت، والرجل بما مشت، والأنف بما شم، والفم بما ذاق وتكلم، وهكذا فلا يظن انه ينجو إذا كان عمله لغير اللّه "وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ ١٥"
كلها بأنواعها وأجناسها فلا ينفعه ذلك لأن شاهده من نفسه قال تعالى "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ" الآية ٢٤ من ت (١٦)
سورة النور في ج ٣ ومثلها في فصلت الآية ٢٢ في ج ٢ وقال تعالى "كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً" الآية ١٤ من الإسراء الآتية وانشد الفراء بما يلائم هذا :
كأن على ذي العقل عينا بصيرة بمجلسه أو منظر هو ناظره
يحاذر حتى يحسب الناس كلهم من الخوف لا يخفى عليه سرائره
وفسر بعضهم المعاذير بالستور وعليه يكون المعنى ولو أرخى ستوره عند ارتكاب المعاصي لئلا يراه أحد فاللّه يراه وتشهد عليه جوارحه وجاء العذار بمعنى الستر، ومنه سمى الشعر الثابت ما بين الأذن والوجه عذار، ومنه عذار الفرس فانه يستر جزءا من وجهها والأول أولى وأنسب بالمقام، ثم التفت جل شأنه يخاطب رسوله بما يراه يعالجه حين تلقى الوحي فقال "لا تُحَرِّكْ بِهِ"
أي القرآن حينما تتلقاه من جبريل "لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ١٦"
وتسيء تلاوته على اثر فراغك من سماعه لتوقره في صدرك خشية نسيأنه كلا لا تخف هذا "إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ"
وإثباته في لبّك الآن وفي المصاحف بعد، حتى لا يفلت منه حرف "وَقُرْآنَهُ ١٧"
وعلينا وبكفالتنا قراءته بلسانك على قومك وان يقرأه من بعدك إلى قرب أن نرث الأرض ومن عليها "فَإِذا قَرَأْناهُ"
عليك يا حبيبي بواسطة أميننا جبريل "فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ١٨"


الصفحة التالية
Icon