قراءته واستمع لها وأنصت فهذا الذي عليك "ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ١٩" لك وان كان صلّى اللّه عليه وسلم في بدء الوحي يحفظ ما ينزل عليه، الخمس آيات والأقل والأكثر ولما حمي الوحي احتاج إلى شدة اجتهاد به حرصا على ان لا ينسى منه شيئا، وكان لشدة حرصه على وحي ربه حال سماعه يتلوه اثر سماعه وإذا أشكل عليه شيء سأل جبريل عنه فقال له ربه لا تتعب نفسك بشيء تكفلنا لك بحفظه وبيان ما فيه من أحكام وحلال وحرام، هذا (وقرآنه) في الآيتين بمعنى القراءة وهي لغة معروفة عند العرب قال
ضحوا بأشمط غوان السجود له يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
أي قراءة.
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال كان صلّى اللّه عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة فكان مما يحرك شفتيه.
قال ابن جبير قال ابن عباس أنا أحركهما كما كان صلّى اللّه عليه وسلم يحرك شفتيه فحرك شفتيه فأنزل اللّه هذه الآية، وكان بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق قرأه كما قرأه.
وفي رواية كما وعده اللّه، ورواه البغوي من طريق البخاري بزيادة يحرك لسانه وشفتيه بشدة وكان يعرف منه.
وفيه فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده.
لذلك فإن هذه الآية كالمعترضة بين ما قبلها وما بعدها كما ترى "كَلَّا" حقا انكم لا تميلون إلى الآجلة "بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ ٢٠" الفانية فتنهكون فيها
"وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ٢١" الباقية فلا تلتفتون إليها وكان الأحرى بكم العكس "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ" يوم تكون الآخرة التي اخترتم الدنيا عليها "ناضِرَةٌ ٢٢" حسنة ناعمة جميلة مضيئة مسرورة بما رأت "إِلى رَبِّها" في جنته العالية "ناظِرَةٌ ٢٣" مبصرة مشاهدة عيانا بلا حجاب ولا كيفية ولا كمية ولا ثبوت جهة أو مسافة.
قال في بدء الأمالي :
يراه المؤمنون بغير كيف وادراك وضرب من مثال
فينسون النعيم إذا رأوه فيا خسران أهل الاعتزال