نهى عن ذلك الاستعجال في هذا الوقت، وقيل له : لا تحرك به لسانك لتعجل به وهذا كما أن المدرس إذا كان يلقي على تلميذه شيئاً، فأخذ التلميذ يلتفت يميناً وشمالاً، فيقول المدرس في أثناء ذلك الدرس لا تلتفت يميناً وشمالاً ثم يعود إلى الدرس، فإذا نقل ذلك الدرس مع هذا الكلام في أثنائه، فمن لم يعرف السبب يقول : إن وقوع تلك الكلمة في أثناء ذلك الدرس غير مناسب، لكن من عرف الواقعة علم أنه حسن الترتيب وثانيها : أنه تعالى نقل عن الكفار أنهم يحبون السعادة العاجلة، وذلك هو قوله :﴿بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ [ القيامة : ٥ ] ثم بين أن التعجيل مذموم مطلقاً حتى التعجيل في أمور الدين، فقال :﴿لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ وقال في آخر الآية :﴿كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة﴾ [ القيامة : ٢٠ ]، وثالثها : أنه تعالى قال :﴿بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ﴾ [ القيامة : ١٤، ١٥ ] فههنا كان الرسول ﷺ يظهر التعجيل في القراءة مع جبريل، وكان يجعل العذر فيه خوف النسيان، فكأنه قيل له : إنك إذا أتيت بهذا العذر لكنك تعلم أن الحفظ لا يحصل إلا بتوفيق الله وإعانته فاترك هذا التعجيل واعتمد على هداية الله تعالى، وهذا هو المراد من قوله :﴿لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ﴾ [ القيامة : ١٦، ١٧ ] ورابعها : كأنه تعالى قال : يا محمد إن غرضك من هذا التعجيل أن تحفظه وتبلغه إليهم لكن لا حاجة إلى هذا فإن الإِنسان على نفسه بصيرة وهم بقلوبهم يعلمون أن الذي هم عليه من الكفر وعبادة الأوثان، وإنكار البعث منكر باطل، فإذا كان غرضك من هذا التعجيل أن تعرفهم قبح ما هم عليه، ثم إن هذه المعرفة حاصلة عندهم، فحينئذ لم يبق لهذا التعجيل فائدة، فلا جرم قال :﴿لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ﴾ وخامسها : أنه