تعالى حكى عن الكافر أنه يقول : أين المفر، ثم قال تعالى :﴿كَلاَّ لاَ وَزَرَ * إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر﴾ [ القيامة : ١١، ١٢ ] فالكافر كأنه كان يفر من الله تعالى إلى غيره فقيل : لمحمد إنك في طلب حفظ القرآن، تستعين بالتكرار وهذا استعانة منك بغير الله، فاترك هذه الطريقة، واستعن في هذا الأمر بالله فكأنه قيل : إن الكافر يفر من الله إلى غيره، وأما أنت فكن كالمضاد له فيجب أن تفر من غير الله إلى الله وأن تستعين في كل الأمور بالله، حتى يحصل لك المقصود على ما قال :
﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ﴾ [ القيامة : ١٧ ] وقال في سورة أخرى :﴿وَلاَ تَعْجَلْ بالقرءان مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَبّى زِدْنِى عِلْماً﴾ [ طه : ١١٤ ] أي لا تستعن في طلب الحفظ بالتكرار بل اطلبه من الله تعالى وسادسها : ما ذكره القفال وهو أن قوله :﴿لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ﴾ ليس خطاباً مع الرسول عليه السلام بل هو خطاب مع الإنسان المذكور في قوله :﴿يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ [ القيامة : ١٣ ] فكان ذلك للإنسان حال ما ينبأ بقبائح أفعاله وذلك بأن يعرض عليه كتابه فيقال له :﴿اقرأ كتابك كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [ الإسراء : ١٤ ] فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه من شدة الخوف وسرعة القراءة فيقال له لا تحرك به لسانك لتعجل به، فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك عليك وأن نقرأها عليك فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالإقرار بأنك فعلت تلك الأفعال، ثم إن علينا بيان أمره وشرح مراتب عقوبته، وحاصل الأمر من تفسير هذه الآية أن المراد منه أنه تعالى يقرأ على الكافر جميع أعماله على سبيل التفصيل، وفيه أشد الوعيد في الدنيا وأشد التهويل في الآخرة، ثم قال القفال : فهذا وجه حسن ليس في العقل ما يدفعه وإن كانت الآثار غير واردة به.