ثم إنه تعالى ذكر ما أعد للشاكرين الموحدين فقال :﴿إِنَّ الأبرار يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كافورا﴾ الأبرار جمع بر، كالأرباب جمع رب، والقول في حقيقة البر قد تقدم في تفسير قوله تعالى :﴿ولكن البر مَنْ ءامَنَ بالله﴾ [ البقرة : ١٧٧ ] ثم ذكر من أنواع نعيمهم صفة مشروبهم، فقال :﴿يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ﴾ يعني من إناء فيه الشراب، ولهذا قال ابن عباس ومقاتل : يريد الخمر، وفي الآية سؤالان :
السؤال الأول : أن مزج الكافور بالمشروب لا يكون لذيذاً، فما السبب في ذكره ههنا ؟ الجواب : من وجوه أحدها : أن الكافور اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده، ولكن لا يكون فيه طعمه ولا مضرته، فالمعنى أن ذلك الشراب يكون ممزوجاً بماء هذه العين وثانيها : أن رائحة الكافور عرض فلا يكون إلا في جسم، فإذا خلق الله تلك الرائحة في جرم ذلك الشراب سمي ذلك الجسم كافوراً، وإن كان طعمه طيباً وثالثها : أي بأس في أن يخلق الله تعالى الكافور في الجنة لكن من طعم طيب لذيذ، ويسلب عنه ما فيه من المضرة ؟ ثم إنه تعالى يمزجه بذلك المشروب، كما أنه تعالى سلب عن جميع المأكولات والمشروبات ما معها في الدنيا من المضار.
السؤال الثاني : ما فائدة كان في قوله :﴿كَانَ مِزَاجُهَا كافورا﴾ ؟ الجواب : منهم من قال : إنها زائدة، والتقدير من كأس مزاجها كافوراً، وقيل : بل المعنى كان مزاجها في علم الله، وحكمه كافورا.
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (٦)
المسألة الأولى :
إن قلنا : الكافور اسم النهر كان عيناً بدلاً منه، وإن شئت نصبت على المدح، والتقدير أعني عيناً، أما إن قلنا : إن الكافور اسم لهذا الشيء المسمى بالكافور كان عيناً بدلاً من محل من كأس على تقدير حذف مضاف، كأنه قيل : يشربون خمراً خمر عين، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه.
المسألة الثانية :