قال في الآية الأولى :﴿يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ﴾ [ الإنسان : ٥ ] وقال ههنا :﴿يشرب بها﴾، فذكر هناك من وههنا الباء، والفرق أن الكأس مبدأ شربهم وأول غايته.
وأما العين فبها يمزجون شرابهم فكأن المعنى : يشرب عباد الله بها الخمر، كما تقول : شربت الماء بالعسل.
المسألة الثالثة :
قوله :﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله﴾ عام فيفيد أن كل عباد الله يشربون منها، والكفار بالاتفاق لا يشربون منها، فدل على أن لفظ عباد الله مختص بأهل الإيمان، إذا ثبت هذا فقوله :﴿وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر﴾ [ الزمر : ٧ ] لا يتناول الكفار بل يكون مختصاً بالمؤمنين، فيصير تقدير الآية ولا يرضى لعباده المؤمنين الكفر، فلا تدل الآية على أنه تعالى لا يريد كفر الكافر.
قوله تعالى :﴿يُفَجّرُونَهَا تَفْجِيراً﴾ معناه يفجرونها حيث شاؤا من منازلهم تفجيراً سهلا لا يمتنع عليهم واعلم أنه سبحانه لما وصف ثواب الأبرار في الآخرة شرح أعمالهم التي بها استوجبوا ذلك الثواب.
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (٧)
فالأول قوله تعالى :﴿يُوفُونَ بالنذر﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
الإيفاء بالشيء هو الإتيان به وافياً، أما النذر فقال أبو مسلم : النذر كالوعد، إلا أنه إذا كان من العباد فهو نذر، وإن كان من الله تعالى فهو وعد، واختص هذا اللفظ في عرف الشرع بأن يقول لله عليَّ كذا وكذا من الصدقة، أو يعلق ذلك بأمر يلتمسه من الله تعالى مثل أن يقول : إن شفى الله مريضي، أو رد غائبي فعليَّ كذا كذا، واختلفوا فيما إذا علق ذلك بما ليس من وجوه البر، كما إذا قال : إن دخل فلان الدار فعليَّ كذا، فمن الناس من جعله كاليمين، ومنهم من جعله من باب النذر، إذا عرفت هذا، فنقول للمفسرين في تفسير الآية أقوال : أولها : أن المراد من النذر هو النذر فقط، ثم قال الأصم : هذا مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات.


الصفحة التالية