ولما كانت بيوت الدنيا وبساتينها تحتاج إلى الانتقال منها من موضع إلى موضع لأجل الحر أو البرد، بين أن جميع أرض الجنة وغرفها سواء في لذة العيش وسبوغ الظل واعتدال الأمر، فقال نافياً ضر الحر ثم البرد :﴿لا يرون فيها﴾ أي بأبصارهم ولا بصائرهم أصلاً ﴿شمساً﴾ أي ولا قمراً ﴿ولا﴾ أي ولا يرون فيها أيضاً ببصائرهم أي لا يحسون بما يسمى ﴿زمهريراً﴾ أي برداً شديداً مزعجاً ولا حراً، فالآية من الاحتباك : دل بنفي الشمس أولاً على نفي القمر، لأن ظهوره بها لأن نوره اكتساب من نور الشمس، ودل بنفي الزمهرير الذي هو سبب البرد ثانياً على نفي الحر الذي سببه الشمس، فأفاد هذا أن الجنة غنية عن النيرين، لأنها نيرة بذاتها وأهلها غير محتاجين إلى معرفة زمان لأنه لا تكليف فيها بوجه، وأنها ظليلة ومعتدلة دائماً لأن سبب الحر الآن قرب الشمس من مسامته الرؤوس، وسبب البرد بعدها عن ذلك.
ولما كانت ترجمة هذا كما مضى : جنة ظليلة ومعتدلة، عطف عليه بالواو دلالة على تمكن هذا الوصف وعلى اجتماعه مع ما قبله قوله :﴿ودانية﴾ أي قريبة من الارتفاع ﴿عليهم ظلالها﴾ من غير أن يحصل منها ما يزيل الاعتدال ﴿وذللت قطوفها﴾ جمع قطف بالكسر وهو العنقود واسم للثمار المقطوفة أي المجنية ﴿تذليلاً﴾ أي سهل تناولها تسيهلاً عظيماً لا يرد اليد عنها بعد ولا شوك لكل من يريد أخذها على أي حالة كان من اتكاء وغيره، فإن كانوا قعوداً تدلت إليهم، وإن كانوا قياماً وكانت على الأرض ارتقت إليهم، وهذا جزاء لهم على ما كانوا يذللون أنفسهم لأمر الله. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٨ صـ ٢٦٩ ـ ٢٧٠﴾