كتبت "سلاسل" بالألف، وأجراها بعض القراء لمكان الألف التى فى أخرها. ولم يجر بعضهم. وقال الذى لم يجر: العرب تثبت فيما لا يجرى الألف فى النصب، فإِذا وصلوا حذفوا الألف، وكلٌّ صواب. ومثل ذلك قوله: ﴿كانَتْ قَوَارِيراً﴾ أثبتت الألف فى الأولى ؛ لأنها رأس آية، والأخرى ليست بآية. فكان ثباتُ الألف فى الأولى أقوى لهذه الحجة، وكذلك رأيتها فى مصحف عبدالله، وقرأ بها أهل البصرة، وكتبوها فى مصاحفهم كذلك. وأهل الكوفة والمدينة يثبتون الألف فيهما جميعا، وكأنهم استوحشوا أن يكتب حرف واحد فى معنًى نصب بكتابين مختلفين. فإن شئت أجريتهما جميعا، وإن شئت لم تجرهما، وإن شئت أجريت الأولى لمكان الألف فى كتاب أهل البصرة. ولم تجر الثانية إذ لم يكن فيها الألف.
﴿ إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ﴾
وقوله عز وجل: ﴿يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً...﴾.
يقال: إنها عين تسمى الكافور، وقد تكون كان مزاجها كالكافور لطيب ريحه، فلا تكون حينئذ اسماً، والعرب [/ا] تجعل النصب فى أى هذين الحرفين أحبوا. قال حسان:
كأنَّ خبيئَةً من بيت رأْسٍ * يكونُ مِزاجُها عَسلٌ وماءُ
وهو أبين فى المعنى: أن تجعل الفعل فى المزاج، وإن كان معرفة، وكل صواب. تقول: كان سيدَهم أبوك، وكان سيدُهم أباك. والوجه أن تقول: كان سيدَهم أبوك ؛ لأن الأب اسم ثابت والسيد صفة من الصفات.
﴿ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً ﴾
وقوله عز وجل: ﴿عَيْناً...﴾.
إن شئت جعلتها تابعة للكافور كالمفسِّرة، وإن شئت نصبتها على القطع من الهاء فى "مزاجها".
وقوله عز وجل: ﴿يَشْرَبُ بِهَا...﴾، و "يَشْرَبُهَا".
سواء فى المعنى، وكأن يشرب بها: يَروَى بها، وينقَع. وأما يشربونها فبيّن، وقد أنشدنى بعضهم:
شَرِبْنَ بِمَاءِ البحرِ ثمَّ تَرَفَّعتْ * مَتى لُججٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نئيجُ