و هذه الآيات عامة في كلّ مؤمن يعمل مثل هذا العمل، وإن سبب نزولها على ما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن عليا كرم اللّه وجهه كان عمل ليهودي بشعير، فأصلحوا هو وزوجته فاطمة رضي اللّه عنهما وخادمته فضة قسما منه ليأكلوه، فجاءهم مسكين فأعطوه إياه، ثم أصلحوا القسم الآخر فجاءهم يتيم فأعطوه إياه، ثم أصلحوا باقيه وعند ما تم نضجه أتاهم أسير فدفعوه له، وباتوا طاوين شاكرين اللّه على ذلك، لأنهم تصدقوا بما عندهم مع احتياجهم إليه، وهذا معنى قوله تعالى (عَلى حُبِّهِ) إذا صح لا يخصصها فيه عليه السّلام دون غيره بل يشمل عمومها كل من عمل عمله لعموم اللّفظ، ويدخل فيها هو دخولا أوليا، كيف وهو من بيت الكرم، لأن أول من سن القرى جده ابراهيم عليه السّلام وأول من هشم الثريد جده هاشم، وأول من أفطر جيرانه على مائدته في الإسلام عمه عبد اللّه
بن عباس، وهو أول من وضع الموائد على الطّريق وكان إذا خرج الطّعام من بيته لا يرد منه شيئا بل يتركه لمن يأكله وهو أول من وضع الطّعام على الطّرق للمسافرين والقافلين، وهذه سنة لم يسبقه بها أحد من أجواد الجاهلية والإسلام مثل حاتم وهرم بن سنان وكعب بن مامه وغيرهم.
قالوا وقد جدد هذه السّنة الأخيرة من أكارم العرب صفوك الجرياء شيخ عشائر شمر في الجزيرة جد مشعل باشا الموجود الآن وجد عجيل الياور القاطن في الموصل كثر اللّه الكرام وأدام نعمه عليهم في الدنيا والآخرة.
ومما قاله معدن الكرم عبد اللّه بن عباس :
إذا طارقات الهم ضاجعت الفتى واعمل فكر اللّيل واللّيل عاكر
وباكرني في حاجة لم يجد بها سواي ولا من نكبة الدّهر ناصر
فرجت بما لي همه من مقامه وزايله هم طروق مسافر
وكان له فضل عليّ بظنه بي الخير إني للذي ظن شاكر