هذه الأرواح مشبهة بالماء العذب الذي يزيل العطش ويقوي البدن، وكما أن العيون متفاوتة في الصفاء والكثرة والقوة، فكذا ينابيع الأنوار العلوية مختلفة، فبعضها تكون كافورية على طبع البرد واليبس، ويكون صاحبها في الدنيا في مقام الخوف والبكاء والانقباض، وبعضها تكون زنجبيلية على طبع الحر واليبس، فيكون صاحب هذه الحالة قليل الالتفات إلى ما سوى الله تعالى قليل المبالاة بالأجسام والجسمانيات، ثم لا تزال الروح البشرية منتقلة من ينبوع إلى ينبوع، ومن نور إلى نور، ولا شك أن الأسباب والمسببات متناهية في ارتقائها إلى واجب الوجود الذي هو النور المطلق جل جلاله وعز كماله، فإذا وصل إلى ذلك المقام وشرب من ذلك الشراب انهضمت تلك الأشربة المتقدمة، بل فنيت، لأن نور ما سوى الله تعالى يضمحل في مقابلة نور الله وكبريائه وعظمته، وذلك هو آخر سير الصديقين، ومنتهى درجاتهم في الإرتقاء والكمال، فلهذا السبب ختم الله تعالى ذكر ثواب الأبرار على قوله :﴿وسقاهم رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾.
واعلم أنه تعالى لما تمم شرح أحوال السعداء، قال تعالى :
إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (٢٢)


الصفحة التالية
Icon