من أمر الآية الكبرى التي إذا ثبتت تبعها جميع المراد من الشريعة وتفريق تقرير شأنه أتقن ما يكون في إحكام أمره، وذلك أن الحكيم إذا اهتم بشيء افتتح الكلام به، فإذا رأى من ينكره انتقل إلى غيره على قانون الحكمة، ثم يصير يرمي به في خلال ذلك، رمياً كأنه غير قاصد له، ولا يزال يفعل ذلك حتى يتقرر أمره غاية التقرير ويثبت في النفس من حيث لا يشعر.
ولما تقرر أن من الناس من ترك الهدى الذي هو البيان، فعمي عنه لإعراضه عنه، سبب عن هذا الإنزال وذاك الضلال قوله منبهاً على أمراض القلوب، ومرشداً إلى دوائها :﴿فاصبر لحكم ربك﴾ أي المحسن إليك بتخصيصه لك بهذه النعمة على ضلال من حكم بضلاله، وعلى كل ما ينوبك وأطعه في التعبد له بجميع ما أمرك به من الرفق إلى أن يأمرك بالسيف، واستعن على مر الصبر باستحضار أن المربي الشفيق يربي بما يشاء من المر والحلو على حسب علمه وحكمته، والصبر : حبس النفس وضبطها على مقاومة الهوى لئلا تنقاد إلى شيء من قبائح اللذات.