وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القرآن تَنزِيلاً ﴾
ما افتريته ولا جئتَ به من عندك، ولا من تلقاء نفسك، كما يدّعيه المشركون.
ووجه اتصال هذه الآية بما قبلُ أنه سبحانه لما ذكر أصناف الوعد والوعيد، بيّن أن هذا الكتاب يتضمن ما بالناس حاجة إليه، فليس بسحر ولا كهَانة، ولا شِعر، وأنه حقّ.
وقال ابن عباس : أنزل القرآن متفرّقاً : آية بعد آية، ولم ينزل جملة واحدة ؛ فلذلك قال "نَزَّلْنَا" وقد مضى القول في هذا مبيناً والحمد لله.
قوله تعالى :﴿ فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾ أي لقضاء ربك.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال : اصبر على أذى المشركين ؛ هكذا قضيت.
ثم نسخ بآية القتال.
وقيل : أي اصبر لما حكم به عليك من الطاعات، أو انتظر حكم الله إذا وعَدَك أنه ينصرك عليهم، ولا تستعجل فإنه كائن لا محالة.
﴿ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً ﴾ أي ذا إثم ﴿ أَوْ كَفُوراً ﴾ أي لا تطع الكفار.
فروى مَعْمَر عن قتادة قال : قال أبو جهل : إن رأيتُ محمداً يُصلّي لأطأنّ على عنقه.
فأنزل الله عز وجل :﴿ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ﴾.
ويقال : نزلت في عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة، وكانا أتيا رسول الله ﷺ يَعرضان عليه الأموال والتزويج، على أن يترك ذكر النبوّة، ففيهما نزلت :﴿ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ﴾.
قال مقاتل : الذي عرض التزويج عُتبة بن ربيعة ؛ قال : إن بناتي من أجمل نساء قريش، فأنا أزوّجك ابنتي من غير مهر وارجع عن هذا الأمر.
وقال الوليد : إن كنت صنعت ما صنعت لأجل المال، فأنا أعطيك من المال حتى ترضى وارجع عن هذا الأمر ؛ فنزلت.