وقد مضى هذا في آخر "الأعراف" مستوفًى.
ودخلت "مِن" على الظرف للتبعيض، كما دخلت على المفعول في قوله تعالى :﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ [ نوح : ٤ ].
قوله تعالى :﴿ إِنَّ هؤلاء يُحِبُّونَ العاجلة ﴾ :
توبيخ وتقريع، والمراد أهل مكة.
والعجلة الدنيا ﴿ وَيَذَرُونَ ﴾ أي ويدعون ﴿ وَرَآءَهُمْ ﴾ أي بين أيديهم ﴿ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾ أي عسيراً شديداً كما قال :﴿ ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض ﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ] أي يتركون الإيمان بيوم القيامة.
وقيل :"وَرَاءَهُمْ" أي خلفهم، أي ويذرون الآخرة خلف ظهورهم، فلا يعملون لها.
وقيل : نزلت في اليهود فيما كتموه من صفة الرسول ﷺ وصحة نبوّته.
وحبهم العاجلة : أخذهم الرّشا على ما كتموه.
وقيل : أراد المنافقين ؛ لاستبطانهم الكفر وطلب الدنيا.
والآية تعمّ.
واليوم الثقيل يوم القيامة.
وإنما سمّيَ ثقيلاً لشدائده وأهواله.
وقيل : للقضاء فيه بين عباده.
قوله تعالى :﴿ نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ ﴾ أي من طين.
﴿ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ ﴾ أي خَلْقَهم ؛ قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل وغيرهم.
والأَسْر الخَلْق ؛ قال أبو عُبيد : يقال فرس شديد الأَسْر أي الخَلْق.
ويقال أسره الله جلّ ثناؤه إذا شَدَّد خَلْقه ؛ قال لبيد :
ساهِمُ الوجهِ شدِيدٌ أَسْرُهُ...
سَلِسِ القِيادِ تَخالُهُ مُخْتَالاَ
وقال أبو هريرة والحسن والربيع : شددنا مفاصلهم وأوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب.
وقال مجاهد في تفسير الأَسْر : هو الشَّرْج، أي إذا خرج الغائط والبول تَقبَّضَ الموضعُ.
وقال ابن زيد القوّة.
وقال ابن أحمر يصف فرساً :
يَمشِي بِأَوْظِفَةٍ شِدَادٍ أَسْرُهَا...
صُمِّ السِّنَابِكِ لا تَقِي بِالْجَدْجَدِ


الصفحة التالية
Icon