وقال الشيخ سيد قطب :
التعريف بسورة المرسلات
هذه السورة حادة الملامح، عنيفة المشاهد، شديدة الإيقاع، كأنها سياط لاذعة من نار. وهي تقف القلب وقفة المحاكمة الرهيبة، حيث يواجه بسيل من الاستفهامات والاستنكارات والتهديدات، تنفذ إليه كالسهام المسنونة !
وتعرض السورة من مشاهد الدنيا والآخرة، وحقائق الكون والنفس، ومناظر الهول والعذاب ما تعرض. وعقب كل معرض ومشهد تلفح القلب المذنب لفحة كأنها من نار:(ويل يومئذ للمكذبين)!
ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة. وهو لازمة الإيقاع فيها. وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة، ومشاهدها العنيفة، وإيقاعها الشديد.
وهذه اللازمة تذكرنا باللازمة المكررة في سورة "الرحمن" عقب عرض كل نعمة من نعم الله على العباد:(فبأي آلاء ربكما تكذبان ؟).. كما تذكرنا باللازمة المكررة في سورة "القمر" عقب كل حلقة من حلقات العذاب:(فكيف كان عذابي ونذر ؟).. وتكرارها هنا على هذا النحو يعطي السورة سمة خاصة، وطعما مميزا.. حادا..
وتتوالى مقاطع السورة وفواصلها قصيرة سريعة عنيفة، متعددة القوافي. كل مقطع بقافية. ويعود السياق أحيانا إلى بعض القوافي مرة بعد مرة. ويتلقى الحس هذه المقاطع والفواصل والقوافي بلذعها الخاص، وعنفها الخاص. واحدة إثر واحدة. وما يكاد يفيق من إيقاع حتى يعاجله إيقاع آخر، بنفس العنف وبنفس الشدة.
ومنذ بداية السورة والجو عاصف ثائر بمشهد الرياح أو الملائكة:(والمرسلات عرفا. فالعاصفات عصفا. والناشرات نشرا فالفارقات فرقا. فالملقيات ذكرا، عذرا أو نذرا).. وهو افتتاح يلتئم مع جو السورة وظلها تمام الالتئام.


الصفحة التالية
Icon