الصفة الأولى : قوله :﴿ذِى ثلاث شُعَبٍ﴾ وفيه وجوه أحدها : قال الحسن : ما أدري ما هذا الظل، ولا سمعت فيه شيئاً وثانيها : قال قوم المراد بقوله : إلى ظل ذي ثلاث شعب كون النار من فوقهم ومن تحت أرجلهم ومحيطة بهم، وتسمية النار بالظل مجاز من حيث إنها محيطة بهم من كل جانب كقوله :﴿لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [ الزمر : ١٦ ] وقال تعالى :﴿يَوْمَ يغشاهم العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [ العنكبوت : ٥٥ ] وثالثها : قال قتادة : بل المراد الدخان وهو من قوله :﴿أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [ الكهف : ٢٩ ] وسرادق النار هو الدخان، ثم إن شعبة من ذلك الدخان على يمينه وشعبة أخرى على يساره، وشعبة ثالثة من فوقه.
وأقول هذا غير مستبعد لأن الغضب عن يمينه والشهوة عن شماله، والقوة الشيطانية في دماغه، ومنبع جميع الآفاق الصادرة عن الإنسان في عقائده، وفي أعماله، ليس إلا هذه الثلاثة، فتولدت من هذه الينابيع الثلاثة أنواع من الظلمات، ويمكن أيضاً أن يقال : ههنا درجات ثلاثة، وهي الحس والخيال، والوهم، وهي مانعة للروح عن الاستنارة بأنوار عالم القدس والطهارة، ولكل واحد من تلك المراتب الثلاثة نوع خاص من الظلمة ورابعها : قال قوم : هذا كناية عن كون ذلك الدخان عظيماً، فإن الدخان العظيم ينقسم إلى شعب كثيرة وخامسها : قال أبو مسلم ويحتمل في ثلاث شعب ما ذكره بعد ذلك، وهو أنه : غير ظليل وأنه لا يغني من اللهب وبأنها ترمى بشرر كالقصر.
الصفة الثانية : لذلك الظل قوله :﴿لاَّ ظَلِيلٍ﴾ وهذا تهكم بهم وتعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين، والمعنى أن ذلك الظل لا يمنع حر الشمس.