المهدوي : وهذا التفسير أشبه بقراءة التخفيف.
قلت : هو صحيح فإن عِكرمة هو الذي قرأ ﴿ فَقَدَرْنَا ﴾ مخفّفاً قال : معناه فملكنا فنعم المالكون، فأفادت الكلمتان معنيين متغايرين ؛ أي قدّرنا وقت الولادة وأحوال النطفة في التنقيل من حالة إلى حالة حتى صارت بشرًا سويًّا، أو الشقيّ والسعيد، أو الطويل والقصير، كله على قراءة التشديد.
وقيل : هما بمعنى كما ذكرنا.
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (٢٦)
فيه مسألتان :
الأولى قوله تعالى :﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً ﴾ أي ضامّة تضم الأحياء على ظهورها والأموات في بطنها.
وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه، ودفن شعره وسائر ما يزيله عنه.
وقوله عليه السلام :" قُصُّوا أظافركم وادفنوا قُلاَماتِكم " وقد مضى في "البقرة" بيانه.
يقال : كَفَتُّ الشيء أكْفِته : إذا جمعته وضممته، والكَفْت : الضم والجمع ؛ وأنشد سيبويه.
كِرامٌ حينَ تَنْكفتُ الأَفَاعي...
إلى أحْجَارهنّ من الصَّقِيعِ
وقال أبو عبيد :﴿ كِفَاتاً ﴾ أوعية.
ويقال لِلنِّحْي : كِفْت وكَفِيت، لأنه يحوي اللبن ويضمه قال :
فأنت اليومَ فوقَ الأرض حَيًّا...
وأنت غداً تَضُمُّكَ في كِفَات
وخرج الشَّعبيّ في جنازة فنظر إلى الجَبَّان فقال : هذهِ كفات الأموات، ثم نظر إلى البيوت فقال : هذه كِفات الأحياء.
والثانية روي عن ربيعة في النَّبَّاش قال تقطَع يده فقيل له : لم قلت ذلك؟ قال : إن الله عز وجل يقول :﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً.
أَحْيَآءً وَأَمْواتاً ﴾
فالأرض حِرْز.
وقد مضى هذا في سورة "المائدة".
وكانوا يسمّون بَقِيع الغَرْقد كَفْتة، لأنه مقبرة تضم الموتى، فالأرض تضم الأحياء إلى منازلهم والأموات في قبورهم.
وأيضاً استقرار الناس على وجه الأرض، ثم اضطجاعهم عليها، انضمام منهم إليها.


الصفحة التالية
Icon