وقال ابن عطية فى الآيات السابقة :
﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ ﴾
ثم وقف تعالى على أصل الخلقة الذي يقتضي النظر فيها تجويز البعث و" الماء المهين " : معناه الضعيف وهو المني من الرجل والمرأة. " والقرار المكين " : الرحم أو بطن المرأة، و" القدر المعلوم " : وقت الولادة ومعلوم عند الله في شخص، فأما عند الآدميين فيختلف فليس بمعلوم قدر شخص بعينه، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونافع والكسائي " فقدّرنا " بشد الدال، وقرأ الباقون " فقدَرنا " بتخفيف الدال، وهما بمعنى من القدرة، والقدر من التقدير والتوقيف وقوله ﴿ القادرون ﴾ يرجع قراءة الجماعة. أما أن ابن مسعود روى عن النبي ﷺ أنه فسر القادرين بالمقدرين. وقدر ابن أبي عبلة " فقدّرنا " بشد الدال " فنعم المقتدرون " و" الكفات " : الستر والوعاء الجامع للشيء بإجماع، تقول كفت الرجل شعره إذا جمعه بخرقة، فالأرض تكفت الأحياء على ظهرها، وتكفت الأموات في بطنها و﴿ أحياء ﴾ على هذا التأويل مُعمول لقوله ﴿ كفاتاً ﴾ لأنه مصدر. وقال بعض المتأولين ﴿ أحياء وأمواتاً ﴾ إنما هو بمعنى أن الأرض فيها أقطار أحياء وأقطار أموات يراد ما ينبت وما لا ينبت، فنصب ﴿ أحياء ﴾ على هذا إنما هو على الحال من ﴿ الأرض ﴾، والتأويل الأولى أقوى.
وقال بنان خرجنا مع الشعبي إلى جنازة فنظر إلى الجبانة فقال : هذه كفات الموتى، ثم نظر إلى البيوت فقال : هذه كفات الأحساء، وكانت العرب تسمي بقيع الغرقد كفتة لأنها مقبرة تضم الموتى، وفي الحديث " خمروا آنيتكم وأوكئوا أسقيتكم واكفتوا صبيانكم وأجيفوا أبوابكم وأطفئوا مصابيحكم ". ودفن ابن مسعود قملة في المسجد ثم قرأ ﴿ ألم نجعل الأرض كفاتاً ﴾.


الصفحة التالية
Icon