فصل فى التفسير الموضوعى للسورة كاملة
قال الشيخ محمد الغزالى :
سورة المرسلات
" والمرسلات عرفا * فالعاصفات عصفا * والناشرات نشرا * فالفارقات فرقا * فالملقيات ذكرا * عذرا أو نذرا ". هذه الجمل كلها فى وصف الريح التى تنبئنا النشرات الجوية عن مصادر هبوبها وتحديد وجهاتها، وصدر السورة هنا يشبه صدر سورة الذاريات. والهواء أساس الحياة البشرية سواء وقف ساكنا أو هب عليلا أو اشتد عاصفا.. وقد تساءلت كثيرا عن الهواء الذى يملأ رئتى زفيرا وشهيقا: هل يبقى فى القاهرة، أم يتنقل ريحا بين شرق الدنيا وغربها، ويمر فى حركته الدائمة بصدور أخرى؟ إننى موقن بأنى أشرب الشاى من شرقى آسيا وأشرب ماء النيل من أعماق المحيط الهندى، وعندما أتأمل فى نعماء الله أشعر بأن الكون كله يشترك فى خدمتى، ولكن " قتل الإنسان ما أكفره ". عندما يهدأ الجو نشعر بالهواء لطيفا، وعندما يثور فى بعض الأقطار نراه يقصف الأشجار ويقذف بالسيارات من مكان لآخر، وهو يبعثر السحب هنا وهناك ويفرقها لتهمى بالغيث حيث شاء الله.. ونتدبر قوله تعالى: " فالملقيات ذكرا * عذرا أو نذرا ". الذكر هنا هو القرآن الكريم، والرياح هى الوسط الناقل للأمواج الصوتية، وسامعو الوحى بين منتفع به وصاد عنه، إنه عذر للمهتدين ونذير للضالين. ونشير هنا إلى أن جمهور المفسرين يظن الآيتين الأخيرتين وصفا للملائكة، وقد لجأ إلى تقطيع المعنى على هذا النحو لأنه لم يكن يدرى أن الهواء هو الوسط الناقل للأصوات، مع أن ذلك أصبح من الحقائق المدروسة فى علم " الفيزياء " الطبيعة. وقد أقسم الله بالرياح ونعوتها المتعاطفة على أن البعث حق وأن جزاء الكفر والإيمان لاشك فيه، ثم ذكر صفات اليوم الأخير للعالم قائلا: " فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت * لأي يوم أجلت * ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل " ؟