القول الرابع : يمكن حملها أيضاً على بعثة الأنبياء عليهم السلام ﴿والمرسلات علافاً﴾ هم الأشخاص الذين أرسلوا بالوحي المشتمل على كل خير ومعروف، فإنه لا شك أنهم أرسلوا بلا إله إلا الله، وهو مفتاح كل خير ومعروف ﴿فالعاصفات عَصْفاً﴾ معناه أن أمر كل رسول يكون في أول الأمر حقيراً ضعيفاً، ثم يشتد ويعظم ويصير في القوة كعصف الرياح ﴿والناشرات نَشْراً﴾ المراد منه انتشار دينهم ومذهبهم ومقالتهم ﴿فالفارقات فَرْقاً﴾ المراد أنهم يفرقون بين الحق والباطل والتوحيد والإلحاد ﴿فالملقيات ذِكْراً﴾ المراد أنهم يدعون الخلق إلى ذكر الله، ويأمرونهم به ويحثونهم عليه.
القول الخامس : أن يكون المراد أن الرجل قد يكون مشتغلاً بمصالح الدنيا مستغرقاً في طلب لذاتها وراحاتها، ففي أثناء ذلك يرد في قلبه داعية الإعراض عن الدنيا والرغبة في خدمة المولى، فتلك الدواعي هي المرسلات عرفاً، ثم هذه المرسلات لها أثران أحدهما : إزالة حب ما سوى الله تعالى عن القلب، وهو المراد من قوله :﴿فالعاصفات عَصْفاً﴾ والثاني : ظهور أثر تلك الداعية في جميع الجوارح والأعضاء حتى لا يسمع إلا الله، ولا يبصر إلا الله، ولا ينظر إلا الله، فذلك هو قوله :﴿والناشرات نَشْراً﴾ ثم عند ذلك ينكشف له نور جلال الله فيراه موجوداً، ويرى كل ما سواه معدوماً، فذلك قوله :﴿فالفارقات فَرْقاً﴾ ثم يصير العبد كالمشتهر في محبته، ولا يبقى في قلبه ولسانه إلا ذكره، فذلك قوله :﴿فالملقيات ذِكْراً ﴾.
واعلم أن هذه الوجوه الثلاثة الأخيرة، وإن كانت غير مذكورة إلا أنها محتملة جداً.
وأما الاحتمال الثاني : وهو أن لا يكون المراد من الكلمات الخمس شيئاً واحداً، ففيه وجوه الأول : ما ذكره الزجاج واختيار القاضي، وهو أن الثلاثة الأول هي الرياح، فقوله :﴿والمرسلات عُرْفاً﴾ هي الرياح التي تتصل على العرف المعتاد ﴿والعاصفات﴾ ما يشتد منه، ﴿والناشرات﴾ ما ينشر السحاب.


الصفحة التالية