أما قوله :﴿فالفارقات فَرْقاً﴾ فهم الملائكة الذين يفرقون بين الحق والباطل، والحلال والحرام، بما يتحملونه من القرآن والوحي، وكذلك قوله :﴿فالملقيات ذِكْراً﴾ أنها الملائكة المتحملة للذكر الملقية ذلك إلى الرسل، فإن قيل : وما المجانسة بين الرياح وبين الملائكة حتى يجمع بينهما في القسم ؟ قلنا : الملائكة روحانيون، فهم بسبب لطافتهم وسرعة حركاتهم كالرياح القول الثاني : أن الاثنين الأولين هما الرياح، فقوله :﴿والمرسلات عُرْفاً * فالعاصفات عَصْفاً﴾ هما الرياح، والثلاثة الباقية الملائكة، لأنها تنشر الوحي والدين، ثم لذلك الوحي أثران أحدهما : حصول الفرق بين المحق والمبطل والثاني : ظهور ذكر الله في القلوب والألسنة، وهذا القول ما رأيته لأحد، ولكنه ظاهر الاحتمال أيضاً، والذي يؤكده أنه قال :﴿والمرسلات عُرْفاً، فالعاصفات عَصْفاً﴾ عطف الثاني على الأول بحرف الفاء، ثم ذكر الواو فقال :﴿والناشرات نَشْراً﴾ وعطف الاثنين الباقيين عليه بحرف الفاء، وهذا يقتضي أن يكون الأولان ممتازين عن الثلاثة الأخيرة القول الثالث : يمكن أيضاً أن يقال : المراد بالأولين الملائكة، فقوله :﴿والمرسلات عُرْفاً﴾ ملائكة الرحمة، وقوله :﴿فالعاصفات عَصْفاً﴾ ملائكة العذاب، والثلاثة الباقية آيات القرآن، لأنها تنشر الحق في القلوب والأرواح، وتفرق بين الحق والباطل، وتلقي الذكر في القلوب والألسنة، وهذا القول أيضاً ما رأيته لأحد، وهو محتمل، ومن وقف على ما ذكرناه أمكنه أن يذكر فيه وجوهاً، والله أعلم بمراده.
المسألة الثانية :