وقال ابن عطية :
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (٤١) ﴾
ذكر تعالى حالة ﴿ المتقين ﴾ بعقب ذكر حالة أهل النار ليبين الفرق، و" الظلال " في الجنة عبارة عن تكاثف الأشجار وجودة المباني وإلا فلا شمس تؤذي هنالك حتى يكون ظل يجير من جرها، وقرأ الجمهور " في ظلال " وقرأ الأعرج والأعمش " في ظُلل " بضم الظاء، و" العيون " : الماء النافع، وقوله تعالى :﴿ مما يشتهون ﴾ إعلام بأن المأكل والمشرب هنالك إنما يكون برسم شهواتهم بخلاف ما هي الدنيا عليه، فإن ذلك فيه شاذ ونادر، والعرف أن المرء يرد شهوته إلى ما يقتضيه وجده، وهنا محذوف يدل عليه اللفظ تقديره يقال لهم ﴿ كلوا ﴾ و﴿ هنيئاً ﴾ نصب على الحال، ويجوز أن يكون نصبه على جهة الدعاء، والكاف في قوله ﴿ إنا كذلك ﴾ كاف تشبيه، والإشارة بذلك إلى ما ذكره من تنعيم أهل الجنة، وقوله تعالى :﴿ كلوا وتمتعوا ﴾ مخاطبة لقريش على معنى قل لهم يا محمد، وهذه صيغة أمر معناها التهديد والوعيد، وقد بين ذلك قوله ﴿ قليلاً ﴾، ثم قرر لهم الإجرام الموجب لتعذيبهم، وقال من جعل السورة كلها مكية : إن هذه الآية نزلت في المنافقين، وقال مقاتل : نزلت في ثقيف لأنهم قالوا للنبي ﷺ : حط عنا الصلاة فإنا لا ننحني فإنها سبة، فأبى رسول الله ﷺ وقال :" لا خير في دين لا صلاة فيه " وقوله تعالى :﴿ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ﴾ قيل هي حكاية عن حال المنافقين في الآخرة إذا سجد الناس فأرادوا هم السجود فانصرفت أصلابهم إلى الأرض وصارت فقاراتهم كصياصي البقر، قاله ابن عباس وغيره، وقال قتادة في آخرين هذه حال كفار قريش في الدنيا كان رسول الله ﷺ يدعوهم وهم لا يجيبون، وذكر الركوع عبارة عن جميع الصلاة، هذا قول الجمهور، وقال بعض المتأولين عنى بالركوع التواضع كما قال الشاعر :[ الطويل ]


الصفحة التالية
Icon