ورابعها : قوله تعالى :﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً﴾ طعن بعض الملاحدة في هذه الآية فقالوا : السبات هو النوم، والمعنى : وجعلنا نومكم نوماً، واعلم أن العلماء ذكروا في التأويل وجوهاً أولها : قال الزجاج :﴿سُبَاتاً﴾ موتاً والمسبوت الميت من السبت وهو القطع لأنه مقطوع عن الحركة ودليله أمران إحداهما : قوله تعالى :﴿وَهُوَ الذي يتوفاكم باليل﴾ [ الأنعام : ٦٠ ] إلى قوله :﴿ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ﴾ [ الأنعام : ٦٠ ] والثاني : أنه لما جعل النوم موتاً جعل اليقظة معاشاً، أي حياة في قوله :﴿وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً﴾ [ النبأ : ١١ ] وهذا القول عندي ضعيف لأن الأشياء المذكورة في هذه الآية جلائل النعم، فلا يليق الموت بهذا المكان وأيضاً ليس المراد بكونه موتاً، أن الروح انقطع عن البدن، بل المراد منه انقطاع أثر الحواس الظاهرة، وهذا هو النوم، ويصير حاصل الكلام إلى : إنا جعلنا نومكم نوماً وثانيها : قال الليث : السبات النوم شبه الغشي يقال سبت المريض فهو مسبوت، وقال أبو عبيدة : السبات الغشية التي تغشى الإنسان شبه الموت، وهذا القول أيضاً ضعيف، لأن الغشي ههنا إن كان النوم فيعود الإشكال، وإن كان المراد بالسبات شدة ذلك الغشي فهو باطل، لأنه ليس كل نوم كذلك ولأنه مرض فلا يمكن ذكره في أثناء تعديد النعم وثالثها : أن السبت في أصل اللغة هو القطع يقال سبت الرجل رأسه يسبته سبتاً إذا حلق شعره، وقال ابن الأعرابي في قوله :﴿سُبَاتاً﴾ أي قطعاً ثم عند هذا يحتمل وجوهاً الأول : أن يكون المعنى : وجعلنا نومكم نوماً متقطعاً لا دائماً، فإن النوم بمقدار الحاجة من أنفع الأشياء.