أما دوامه فمن أضر الأشياء، فلما كان انقطاعه نعمة عظيمة لا جرم ذكره الله تعالى في معرض الإنعام الثاني : أن الإنسان إذا تعب ثم نام، فذلك النوم يزيل عنه ذلك التعب، فسميت تلك الإزالة سبتاً وقطعاً، وهذا هو المراد من قول ابن قتيبة :﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً﴾ أي راحة، وليس غرضه منه أن السبات اسم للراحة، بل المقصود أن النوم يقطع التعب ويزيله، فحينئذ تحصل الراحة الثالث : قال المبرد :﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً﴾ أي جعلناه نوماً خفيفاً يمكنكم دفعه وقطعه، تقول العرب : رجل مسبوت إذا كان النوم يغالبه وهو يدافعه، كأنه قيل : وجعلنا نومكم نوماً لطيفاً يمكنكم دفعه، وما جعلناه غشياً مستولياً عليكم، فإن ذلك من الأمراض الشديدة، وهذه الوجوه كلها صحيحة.
وخامسها قوله تعالى :
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠)
قال القفال : أصل اللباس هو الشيء الذي يلبسه الإنسان ويتغطى به، فيكون ذلك مغطياً له، فلما كان الليل يغشى الناس بظلمته فيغطيهم جعل لباساً لهم، وهذا السبت سمي الليل لباساً على وجه المجاز، والمراد كون الليل ساتراً لهم.
وأما وجه النعمة في ذلك، فهو أن ظلمة الليل تستر الإنسان عن العيون إذا أراد هرباً من عدو، أو بياتاً له، أو إخفاء مالا يحب الإنسان إطلاع غيره عليه، قال المتنبي :
وكم لظلام الليل عندي من يد.. تخبر أن المانوية تكذب
وأيضاً فكما أن الإنسان بسبب اللباس يزداد جماله وتتكامل قوته ويندفع عنه أذى الحر والبرد، فكذا لباس الليل بسبب ما يحصل فيه من النوم يزيد في جمال الإنسان، وفي طراوة أعضائه وفي تكامل قواه الحسية والحركية، ويندفع عنه أذى التعب الجسماني، وأذى الأفكار الموحشة النفسانية، فإن المريض إذا نام بالليل وجد الخفة العظيمة.
وسادسها قوله تعالى :
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (١١)