﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً ﴾ أي سبعَ سمواتٍ قويةِ الخلقِ محكمةِ البناءِ لا يُؤثر فيها مرُّ الدهورِ وكرُّ العصورِ، والتعبيرُ عن خلقِها بالنباءِ مبنيٌّ على تنزيلِها منزلةَ القبابِ المضروبةِ على الخلقِ، وتقديمُ الظرفِ على المفعولِ ليسَ لمراعاةِ الفواصلِ فقطْ بلْ للتشويقِ إليهِ فإنَّ ما حقَّه التقديمُ إذا أُخرَ تبقى النفسُ مترقبةً له فإذا وردَ عليها تمكّنَ عندَها فضلُ تمكنٍ ﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً ﴾ هذا الجعلُ بمعنى الإنشاءِ والإبداعِ كالخلقِ خَلا أنه مختصٌ بالإنشاءِ التكوينيِّ وفيه مَعنى التقديرِ والتسويةِ وهذا عامٌّ له كَما في الآيةِ الكريمةِ وللتشريعيِّ أيضاً كَما في قولِه تعالى :﴿ مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ ﴾ الخ وقولِه تعالى :﴿ لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا ﴾ وأياً ما كانَ ففيهِ إنباءٌ عن ملابسةِ مفعولِه بشيءٍ آخرَ بأنْ يكونَ فيهِ أولَهُ أو مِنْهُ أو نحوُ ذلكَ ملابسةً مصححةً لأنْ يتوسطَ بينهُمَا شيء من الظروفِ لغواً كانَ أو مستقراً لكنْ لا على أنْ يكونَ عمدةً في الكلامِ بل قيداً فيهِ، كَما في قولِه تعالى :﴿ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ﴾ وقولِه تعالى :﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ ﴾ وقولِه تعالى :﴿ واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً ﴾ الآيةَ. فإنَّ كلَّ واحدٍ من هذهِ الظروفِ إمَّا متعلقٌ بنفسِ الجعلِ أو بمحذوفٍ وقعَ حالاً من مفعولِه تقدمتْ عليه لكونِه نكرةً وأياً ما كانَ فهو قيدٌ في الكلامِ حتَّى إذا اقتضَى الحالُ وقوعَهُ عمدةً فيه يكونُ الجعلُ متعدياً إلى اثنينِ هُو ثانيهما كما في قولِه تعالى :﴿ يَجْعَلُونَ أصابعهم فِى ءاذَانِهِم ﴾ ورُبَّما يشتبهُ الأمرُ فيظنَّ أنَّه عمدةٌ فيهِ، وهو في الحقيقيةِ قيدٌ بأحدِ الوجهينِ كما سلفَ في قولِه تعالى :﴿ إِنّي جَاعِلٌ فِى الأرض خَلِيفَةً ﴾ والوهَّاجُ الوقَّادُ المتلألىءُ من وهجتِ