وقد أُعقب الاستدلال بخلق الأرض وجبالها بالاستدلال بخلق الناس للجمع بين إثبات التفرد بالخلق وبين الدلالة على إمكان إعادتهم، والدليلُ في خلق الناس على الإِبداع العظيم الذي الخلقُ الثاني من نوعه أمكنُ في نفوس المستدل عليهم قال تعالى :﴿ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ﴾ [ الذاريات : ٢١ ].
وللمناسبة التي قدمنا ذكرها في توجيه الابتداء بخلق الأرض في الاستدلال فهي أن من الأرض يخرج الناس للبعث فكذلك ثني باستدلال بخلق الناس الأول لأنهم الذين سيعاد خلقهم يوم البعث وهم الذين يخرجون من الأرض، وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى :﴿ ويقول الإنسان أإذا ما متّ لسوف أخرج حياً أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً ﴾ [ مريم : ٦٦، ٦٧ ].
وانتصب ﴿ أزواجاً ﴾ على الحال من ضمير الخطاب في ﴿ خلقناكم ﴾ لأن المقصود الاستدلال بخلق الناس وبكون الناس أزواجاً، فلما كان المناسب لفعل خلقنا أن يتعدى إلى الذوات جيء بمفعوله ضميرَ ذوات الناس، ولما كان المناسب لكونهم أزواجاً أن يساق مساق إيجاد الأحوال جيء به حالاً من ضمير الخطاب في ﴿ خلقناكم ﴾، ولو صرح له بفعل لقيل : وخلقناكم وجَعلناكم أزواجاً، على نحو ما تقدم في قوله:
﴿ ألم نجعل الأرض مهاداً ﴾ [ النبأ : ٦ ] وما يأتي من قوله :﴿ وجعلنا نومكم سباتاً ﴾ [ النبأ : ٩ ].
والأزواج : جمع زوج وهو اسم للعدد الذي يُكرر الواحد تكريرةً واحدة وقد وصف به كما يوصف بأسماء العدد في نحو قول لبيد :
حتى إذا سَلَخَا جُمَادَى سِتَّةً
ثم غلب الزواج على كل من الذكر وأنثاه من الإنسان والحيوان، فقوله :﴿ أزواجاً ﴾ أفاد أن يكون الذكر زوجاً للأنثى والعكس، فالذكر زوج لأنثاه والأنثى زوج لذَكرها، وتقدم ذلك عند قوله تعالى :﴿ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ﴾ في سورة البقرة ( ٣٥ ).


الصفحة التالية
Icon