وفي قوله : وخلقناكم أزواجاً } إيماء إلى ما في ذلك الخلققِ من حكمة إيجاد قوة التناسل من اقتران الذكر بالأنثى وهو مناط الإيماء إلى الاستدلال على إمكان إعادة الأجساد فإن القادر على إيجاد هذا التكوين العجيب ابتداء بقوة التناسل قادر على إيجاد مثله بمثل تلك الدقة أو أدق.
وفيه استدلال على عظيم قدرة الله وحكمته، وامتنان على الناس بأنه خلقهم، وأنه خلقهم بحالة تجعل لكل واحد من الصنفين ما يصلح لأن يكون له زوجاً ليحصل التعاون والتشارك في الأنس والتنعم، قال تعالى :﴿ وجعل منها زوجها ليسكن إليها ﴾ [ الأعراف : ١٨٩ ] ولذلك صيغ هذا التقرير بتعليق فعل ( خلقنا ) بضمير الناس وجُعل ﴿ أزواجاً ﴾ حالاً منه ليحصل بذلك الاعتبار بكلا الأمرين دون أن يقال : وخلقنا لَكُم أزواجاً.
وفي ذلك حمل لهم على الشكر بالإِقبال على النظر فيما بُلِّغ إليهم عن الله الذي أسعفهم بهذه النعم على لسان رسول الله ﷺ وتعريض بأن إعراضهم عن قبول الدعوة الإسلامية ومكابرتهم فيما بلغهم من ذلك كفران لنعمة واهب النعم.
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (٩)
انتقل من الاستدلال بخلق الناس إلى الاستدلال بأحوالهم وخص منها الحالة التي هي أقوَى أحوالهم المعروفة شبهاً بالموت الذي يعقبه البعث وهي حالة متكررة لا يَخلُونَ من الشعور بما فيها من العبرة لأن تدبير نظام النوم وما يطرأ عليه من اليقظة أشبه حالٍ بحال الموت وما يعقبه من البعث.
وأوثر فعل ﴿ جعلنا ﴾ لأن النوم كيفية يناسبها فعل الجعل لا فعلُ الخلق المناسبُ للذوات كما تقدم في قوله :﴿ ألم نجعل الأرض مهاداً ﴾ [ النبأ : ٦ ] وكذلك قوله :﴿ وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً ﴾ [ النبأ : ١٠، ١١ ].


الصفحة التالية
Icon