حضارته ومعرفته، فلا تحتاج إلي علم غزير لإدراكها في صورتها الواقعية، وكون الجبال أوتادا ظاهرة تراها العين كذلك حتي من الإنسان البدائي، وهذه وتلك ذات وقع في الحس حين توجه إليها النفس، غير أن هذه الحقيقة أكبر وأوسع مدي مما يحسه الإنسان البدائي لأول وهلة بالحس المجرد، وكلما ارتقت معارف الإنسان، وازدادت معرفته بطبيعة هذا الكون وأطواره، كبرت هذه الحقيقة في نفسه، وأدرك من ورائها التقدير الإلهي العظيم والتدبير الدقيق الحكيم، والتنسيق بين أفراد هذا الوجود وحاجاتهم، واعداد هذه الأرض لتلقي الحياة الإنسانية وحضانتها، واعداد هذا الإنسان للملاءمة مع البيئة والتفاهم معها
وجعل الأرض مهادا للحياة ـ وللحياة الإنسانية بوجه خاص ـ شاهد لا يماري في شهادته بوجود العقل المدبر من وراء هذا الوجود الظاهر، فاختلال نسبة واحدة من النسب الملحوظة في خلق الأرض هكذا بجميع ظروفها، أو اختلال نسبة واحدة من النسب الملحوظة في خلق الحياة لتعيش في الأرض.. الاختلال هنا أو هناك لا يجعل الأرض مهادا، ولا يبقي هذه الحقيقة. التي يشير إليها القرآن الكريم هذه الاشارة المجملة، ليدركها كل إنسان وفق درجة معرفته ومداركه..
وجعل الجبال أوتادا.. يدركه الإنسان من الناحية الشكلية بنظره المجرد، فهي أشبه شيء بأوتاد الخيمة التي تشد إليها. أما حقيقتها فنتلقاها من القرآن، وندرك منه أنها تثبت الأرض وتحفظ توازنها..
وقد يكون هذا لأنها تعادل بين نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال.. وقد يكون لأنها تعادل بين التقلصات الجوفية للأرض والتقلصات السطحية، وقد يكون لأنها تثقل الأرض في نقط معينة فلا تميد بفعل الزلازل والبراكين والاهتزازات الجوفية.. وقد يكون لسبب آخر لم يكشف عنه بعد.. وكم من قوانين وحقائق مجهولة أشار إليها القرآن الكريم، ثم عرف البشر طرفا منها بعد مئات
السنين !