قال الفراء أصل الحقب من الترادف، والتتابع يقال أحقب، إذا أردف ومنه الحقيبة ومنه كل من حمل وزراً، فقد احتقب، فيجوز على هذا المعنى :﴿لابثين فيها أحقاباً﴾ أي دهوراً متتابعة يتبع بعضها بعضاً، ويدل عليه قوله تعالى :﴿لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً﴾ [ الكهف : ٦٠ ] يحتمل سنين متتابعة إلى أن أبلغ أو آنس، واعلم أن الأحقاب، واحدها حقب وهو ثمانون سنة عند أهل اللغة، والحقب السنون واحدتها حقبة وهي زمان من الدهر لا وقت له ثم نقل عن المفسرين فيه وجوه : أحدها : قال عطاء والكلبي ومقاتل عن ابن عباس في قوله :﴿أحقاباً﴾ الحقب الواحد بضع وثمانون سنة، والسنة ثلثمائة وستون يوماً، واليوم ألف سنة من أيام الدنيا، ونحو هذا روى ابن عمر مرفوعاً وثانيها : سأل هلال الهجري علياً عليه السلام.
فقال الحقب مائة سنة، والسنة اثنا عشر شهراً، والشهر ثلاثون يوماً، واليوم ألف سنة وثالثها : وقال الحسن الأحقاب لا يدري أحد ما هي، ولكن الحقب الواحد سبعون ألف سنة اليوم منها كألف سنة مما تعدون : فإن قيل قوله أحقاباً وإن طالت إلا أنها متناهية، وعذاب أهل النار غير متناه، بل لو قال لابثين فيها الأحقاب لم يكن هذا السؤال وارداً، ونظير هذا السؤال قوله في أهل القبلة :﴿إلا ما شاء ربك﴾ قلنا : الجواب من وجوه : الأول : أن لفظ الأحقاب لا يدل على مضي حقب له نهاية وإنما الحقب الواحد متناه، والمعنى أنهم يلبثون فيها أحقاباً كلما مضى حقب تبعه حقب آخر، وهكذا إلى الأبد والثاني : قال الزجاج : المعنى أنهم يلبثون فيها أحقاباً لا يذوقوق في الأحقاب برداً ولا شراباً، فهذه الأحقاب توقيت لنوع من العذاب.