وهو أن لا يذوقوا برداً ولا شراباً إلا حميماً وغساقاً، ثم يبدلون بعد الأحقاب عن الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب وثالثها : هب أن قوله :﴿أحقاباً﴾ يفيد التناهي، لكن دلالة هذا على الخروج دلالة المفهوم، والمنطوق دل على أنهم لا يخرجون.
قال تعالى :﴿يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم﴾ [ المائدة : ٣٧ ] ولا شك أن المنطوق راجح، وذكر صاحب "الكشاف" في الآية وجهاً آخر، وهو أن يكون أحقاباً من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره، وحقب فلان إذا أخطأه الرزق فهو حقب وجمعه أحقاب.
فينتصب حالاً عنهم بمعنى لابثين فيها حقبين مجدبين، وقوله :﴿لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً﴾ [ النبأ : ٢٤ ] تفسير له.
ورابعها : قوله تعالى :﴿لاَّ يَذُوقُونَ فِيَها بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا ﴾.
﴿إلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ﴾.
﴿جَزَآءً وِفَاقًا ﴾.
المسألة الأولى :
إن اخترنا قول الزجاج كان قوله :﴿لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً﴾ متصلاً بما قبله، والضمير في قوله :﴿فيها﴾ عائداً إلى الأحقاب، وإن لم نقل به كان هذا كلاماً مستأنفاً مبتدأ، والضمير في قوله عائداً إلى جهنم.
المسألة الثانية :
في قوله :﴿برداً﴾ وجهان الأول : أنه البرد المعروف، والمراد أنهم لا يذوقون مع شدة الحر ما يكون فيه راحة من ريح باردة، أو ظل يمنع من نار، ولا يجدون شراباً يسكن عطشهم، ويزيل الحرقة عن بواطنهم، والحاصل أنه لا يجدون هواء بارداً، ولا ماء بارداً والثاني : البرد ههنا النوم، وهو قول الأخفش والكسائي والفراء وقطرب والعتبي، قال الفراء : وإنما سمى النوم برداً لأنه يبرد صاحبه، فإن العطشان ينام فيبرد بالنوم، وأنشد أبو عبيدة والمبرد في بيان أن المراد النوم قول الشاعر :
بردت مراشفها علي فصدني.. عنها وعن رشفاتها البرد


الصفحة التالية
Icon