يعني النوم، قال المبرد : ومن أمثال العرب : منع البرد البرد أي أصابني من البرد ما منعني من النوم، واعلم أن القول الأول أولى لأنه إذا أمكن حمل اللفظ على الحقيقة المشهورة، فلا معنى لحمله على المجاز النادر الغريب، والقائلون بالقول الثاني تمسكوا في إثباته بوجهين الأول : أنه لا يقال ذقت البرد ويقال ذقت النوم.
الثاني : أنهم يذوقون برد الزمهرير، فلا يصح أن يقال إنهم ما ذاوا برداً، وهب أن ذلك البرد برد تأذوا به، ولكن كيف كان، فقد ذاقوا البرد والجواب عن الأول : كما أن ذوق البرد مجاز فكذا ذوق النوم أيضاً مجاز، ولأن المراد من قوله :﴿لا يذوقون فيها برداً﴾ أي لا يستنشقونه فيها نفساً بارداً، ولا هواء بارداً، والهواء المستنشق ممره الفم والألف فجاز إطلاق لفظ الذوق عليه والجواب عن الثاني : أنه لم يقل لا يذوقون فيها البرد بل قال يذوقون فيها برداً واحداً، وهو البرد الذي ينتفعون به ويستريحون إليه.
المسألة الثالثة :
ذكروا في الحميم أنه الصفر المذاب وهو باطل بل الحميم الماء الحار المغلي جداً.
المسألة الرابعة :
ذكروا في الغساق وجوهاً.
أحدها : قال أبو معاذ كنت أسمع مشايخنا يقولون الغساق فارسية معربة يقولون للشيء الذي يتقذرونه خاشاك. (١)
وثانيها : أن الغساق هو الشيء البارد الذي لا يطاق، وهو الذي يسمى بالزمهرير.
وثالثها : الغساق ما يسيل من أعين أهل النار وجلودهم من الصديد والقيح والعرق وسائر الرطوبات المستقذرة، وفي كتاب الخليل غسقت عينه، تغسق غسقاً وغساقاً.
ورابعها : الغساق هو المنتن، ودليله ما روي أنه عليه السلام قال : لو أن دلواً من الغساق يهراق على الدنيا لأنتن أهل الدنيا.