من قضَّيت قضَّاء قال الفراء هي لغة فصيحة يمانية ونظيره خرَّقت القميص خرَّاقاً، وقال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني : الحلو أحب إليك أم العِصَّار ؟ وقال صاحب "الكشاف" كنت أفسر آية فقال بعضهم : لقد فسرتها فِسَّاراً ما سمع به، وقرىء بالتخفيف وفيه وجوه : أحدها : أنه مصدر كَذَّب بدليل قوله :
فصدقتها أو كذبتها.. والمرء ينفعه كذابه
وهو مثل قوله تعالى :﴿أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتاً﴾ [ نوح : ١٧ ] يعني وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذاباً وثانيها : أن ينصبه بكذبوا لأنه يتضمن معنى كذبوا لأن كل مكذب بالحق كاذب وثالثها : أن يجعل الكذاب بمعنى المكاذبة، فمعناه وكذبوا بآياتنا فكاذبوا مكاذبة.
أو كذبوا بها مكاذبين.
لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين، وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة وقرىء أيضاً كذلك وهو جمع كاذب، أي كذبوا بآياتنا كاذبين، وقد يكون الكذاب بمعنى الواحد البليغ في الكذب، يقال رجل كذاب كقولك حسان وبخال، فيجعل صفة لمصدر كذبوا أي تكذيباً كذاباً مفرطاً كذبه.
واعلم أنه تعالى لما بين أن فساد حالهم في القوة العملية وفي القوة النظرية بلغ إلى أقصى الغايات وأعظم النهايات بين أن تفاصيل تلك الأحوال في كميتها وكيفيتها معلومة له، وقدر له ما يستحق عليه من العقاب معلوم له، فقال :
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (٢٩)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال الزجاج :﴿كُلَّ﴾ منصوب بفعل مضمر يفسره ﴿أحصيناه﴾ والمعنى : وأحصينا كل شيء وقرأ أبو السمال، وكل بالرفع على الابتداء.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon