هذا وما قاله مقاتل من أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى فيما يأتي (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) قول عاطل لا ينبغي أن يصدر من مثل مقاتل ولعله مدسوس عليه "إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً" ٢٥ الحميم الصفر المذاب والماء الشديد الغليان، والغسّاق السائل من صديد أهل جهنم وقال ابن عباس وأبو العاليه : الغساق هو الزمهرير الممزّق لشدة برده أحشاء شاربه، والاستثناء منقطع لأنه من غير جنس الشراب
النافع، وهذا الجزاء الذي يجازون به "جَزاءً وِفاقاً" ٢٦ لأعمالهم، وإنما ينالون هذا الجزاء القاصي الذي لا أعظم منه لأنهم يشركون وينكرون البعث أيضا ولا ذنب أعظم من هذين، ولهذا أشار اللّه عنه بقوله "إِنَّهُمْ كانُوا" في دنياهم "لا يَرْجُونَ حِساباً" ٢٧ على أعمالهم القبيحة "وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً" ٢٨ مصدر كذب بلغة اليمن وبلغة غيرهم التكذيب، وبغير التشديد التكثير على أن هذه الأمور الثلاثة التوحيد والنبوة والمعاد لم تختلف فيها أمة كتابية قطعا، ومن أنكرها فليس من أهل الكتاب بل هو كافر لأن جميع الرسل بلغت أممها فيها، واعلم أن القرآن العظيم لا يتصدى لذكر أحدها إلا وأتبعها بذكر الآخرين، قال تعالى "وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً" ٢٩ أثبتناه في اللوح المحفوظ فلا سبيل لإنكاره لأنها مدونة فيه وعند الحفظة كما مر في الآية ٢٣ من سورة الإسراء ج ١، وعند ما يستغيثون مما يعاينون من الآلام يقال لهم "فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً" ٣٠ وهذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار، أجارنا اللّه منها.