فصل
قال الفخر :
واعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد الكفار أتبعه بوعد الأخيار وهو أمور :
أولها : قوله تعالى :
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (٣١)
أما المتقي فقد تقدم تفسيره في مواضع كثيرة ﴿ومفازاً﴾ يحتمل أن يكون مصدراً بمعنى فوزاً وظفراً بالبغية، ويحتمل أن يكون موضع فوز والفوز يحتمل أن يكون المراد منه فوزاً بالمطلوب، وأن يكون المراد منه فوزاً بالنجاة من العذاب، وأن يكون المراد مجموع الأمرين، وعندي أن تفسيره بالفوز بالمطلوب أولى من تفسيره بالفوز بالنجاة من العذاب، ومن تفسيره بالفوز بمجموع الأمرين أعني النجاة من الهلاك والوصول إلى المطلوب، وذلك لأنه تعالى فسر المفاز بما بعده وهو قوله :﴿حَدَائِقَ وأعنابا﴾ [ النبأ : ٣٢ ] فوجب أن يكون المراد من المفاز هذا القدر.
فإن قيل الخلاص من الهلاك أهم من حصول اللذة، فلم أهمل الأهم وذكر غير الأهم ؟ قلنا : لأن الخلاص من الهلاك لا يستلزم الفوز باللذة والخير، أما الفوز باللذة والخير فيستلزم الخلاص من الهلاك، فكان ذكر هذا أولى.
وثانيها : قوله تعالى :
حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (٣٢)
والحدائق جمع حديقة، وهي بستان محوط عليه.
من قولهم : أحدقوا به أي أحاطوا به، والتنكير في قوله :﴿وأعنابا﴾ يدل على تعظيم حال تلك الأعناب.
وثالثها : قوله تعالى :
وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (٣٣)
كواعب جمع كاعب وهي النواهد التي تكعبت ثديهن وتفلكت أي يكون الثدي في النتوء كالكعب والفلكة.
ورابعها : قوله تعالى :
وَكَأْسًا دِهَاقًا (٣٤)