واعلم أن القدح في دلالة المعجزة على الصدق إما لاعتقاد أنه يمكن معارضته، أو لأنه وإن امتنعت معارضته لكنه ليس فعلاً لله بل لغيره، إما فعل جنى أو فعل ملك، أو إن كان فعلاً لله تعالى لكنه ما فعله لغرض التصديق، أو إن كان فعله لغرض التصديق لكنه لا يلزم صدق المدعي، فإنه لا يقبح من الله شيء ألبتة، فهذه مجامع الطعن في دلالة المعجز على الصدق، وما بعد الآية يدل على أن فرعون إنما منع من دلالته عن الصدق لاعتقاده أنه يمكن معارضته بدليل قوله :﴿فَحَشَرَ فنادى﴾ [ النازعات : ٢٣ ] وهو كقوله :﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي المدائن حاشرين﴾ [ الشعراء : ٥٣ ].
المسألة الثانية :
في الآية سؤال وهو أن كل أحد يعلم أن كل من كذب الله فقد عصى، فما الفائدة في قوله :﴿فَكَذَّبَ وعصى﴾ ؟ والجواب : كذب بالقلب واللسان، وعصى بأن أظهر التمرد والتجبر.
المسألة الثالثة :
هذا الذي وصفه الله تعالى به من التكذيب والمعصية مغاير لما كان حاصلاً قبل ذلك، لأن تكذيبه لموسى عليها لسلام وقد دعاه وأظهر هذه المعجزة.
يوفى على ما تقدم من التكذيب ومعصيته بترك القبول منه، والحال هذه مخالفة لمعصيته من قبل ذلك.
ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (٢٢)
وثانيها : قوله :﴿ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى﴾ وفيه وجوه أحدها : أنه لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً يسعى يسرع في مشيه، قال الحسن كان رجلاً طياشاً خفيفاً وثانيها : تولى عن موسى يسعى ويجتهد في مكايدته وثالثها : أن يكون المعنى، ثم أقبل يسعى، كما يقال : فلان أقبل يفعل كذا، بمعنى أنشأ يفعل، فوضع أدبر فوضع أقبل لئلا يوصف بالإقبال.
وثالثها : قوله :
فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤)