وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (١) ﴾
أقسم سبحانه بهذه الأشياء التي ذكرها، وهي الملائكة التي تنزع أرواح العباد عن أجسادهم، كما ينزع النازع في القوس، فيبلغ بها غاية المدّ، وكذا المراد : بالناشطات، والسابحات، والسابقات، والمدبرات : يعني : الملائكة، والعطف مع اتحاد الكلّ ؛ لتنزيل التغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي، كما في قول الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهمام... وليث الكتيبة في المزدحم
وهذا قول الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
وقال السديّ :﴿ النازعات ﴾ هي النفوس حين تغرق في الصدور.
وقال مجاهد : هي الموت ينزع النفس.
وقال قتادة : هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق، من قولهم : نزع إليه إذا ذهب، أو من قولهم : نزعت بالحبل أي : إنها تغرب وتغيب وتطلع من أفق آخر.
وبه قال أبو عبيدة، والأخفش، وابن كيسان.
وقال عطاء، وعكرمة : النازعات القسي تنزع بالسهام، وإغراق النازع في القوس أن يمدّه غاية المدّ حتى ينتهي به إلى النصل.
وقال يحيى بن سلام : تنزع بين الكلأ وتنفر، وقيل : أراد بالنازعات الغزاة الرماة، وانتصاب ﴿ غَرْقاً ﴾ على أنه مصدر بحذف الزوائد أي : إغراقاً، والناصب له ما قبله لملاقاته له في المعنى أي : إغراقاً في النزع حيث تنزعها من أقاصي الأجساد، أو على الحال أي : ذوات إغراق، يقال أغرق في الشيء يغرق فيه : إذا أوغل فيه وبلغ غايته ومعنى ﴿ الناشطات ﴾ : أنها تنشط النفوس أي : تخرجها من الأجساد، كما ينشط العقال من يد البعير، إذا حلّ عنه، ونشط الرجل الدلو من البئر : إذا أخرجها، والنشاط : الجذب بسرعة، ومنه الأنشوطة للعقدة التي يسهل حلها.
قال أبو زيد : نشطت الحبل أنشطه نشطاً عقدته، وأنشطته، أي : حللته، وأنشطت الحبل، أي : مددته.
قال الفراء : أنشط العقال أي : حلّ، ونشط أي : ربط الحبل في يديه.


الصفحة التالية
Icon